(شهاب الدين أضرط من أخيه) مثل من أشهر الأمثال في العامية العربية، ويقال بالصيغة نفسها في معظم البلاد العربية، ويضرب في المفاضلة بين سيئين، ويقال المثل أيضا بصيغة (شهاب الدين ألعن من أخيه) و(ما أخس من سيدي إلا ستي)، و(ما أخس من قديد إلا عسفان)، و(ما أصخم من زعيط إلا معيط).
وأصل المثل لا يخلو من السخف، وهو أن لصاً دخل بيت تاجر ليسرقه، فاستيقظ التاجر، وحاول دون جدوى الإمساك باللص، فأطلق اللص ريحاً بصوت عال جداً رسخ في ذاكرة التاجر.
وفي أحد الأيام احتاج التاجر إلى عمال يساعدونه في حمل بضاعته، فجاءه توأمان للعمل عنده. انحنى أحدهما ليحمل البضاعة، فأطلق ريحاً بصوت عال، فتذكر التاجر ذلك الصوت، فأمسك بالرجل واقتاده إلى الوالي.
عند الوالي ألصق الرجل التهمة بأخيه التوأم، فعين الوالي قاضياً ليفصل في القضية. فأمر القاضي بإحضار الأخوين وأمر بإطعامهما بيضاً مسلوقاً ولبناً، فما لبثا أن أطلقا الريح، وحينها سأل القاضي التاجر أيهما هو السارق؟؟ فقال التاجر: كلا الأخوين ضراط، ولكن: شهاب الدين أضرط من أخيه. وفي النهاية اعترف شهاب الدين بالسرقة، وذهب قول التاجر مثلاً.
أستدعي هذا المثل، بما فيه من سخف، في مناسبة الصراع الدائر بين الفريق عبدالرحمن سرالختم والدكتور الصيدلي معتصم جعفر للسيطرة على الاتحاد العام لكرة القدم. الاثنان ركبا موجة حزب المؤتمر الوطني الحاكم دون انتماء سابق إلى جماعة الاخوان المسلمين أو مسمياتها اللاحقة جبهة الميثاق الاسلامي والجبهة الإسلامية القومية، وانتهاءً بالمؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي. ا
لاثنان التحقا بركب النظام في مراحل مختلفة. عبدالرحمن سر الختم كان الأسبق. شغل منصباً وزارياً في بدايات انقلاب الجبهة في 30 يونيو 1989م، ثم شغل منصب والي ولاية الجزيرة، ثم عمل سفيراً في مصر واثيوبيا، فلم يحقق نجاحاً، ولم يترك أثراً طيباً، على وجه التحديد في الولاية وفي السفارتين.
معتصم جعفر هرول مع المهرولين من الحزب الاتحادي الديمقراطي إلى الحزب الحاكم، وأصبح نائباً في المجلس الوطني ممثلاً لدائرة جغرافية كان يفوز بتمثيلها في ظل الأنظمة الديمقراطية نواب عمالقة في أزمنة العمالقة. سيطر على الاتحاد العام لكرة القدم مدعوماً من الحزب الحاكم على حساب البروفيسور كمال شداد، فلم يحقق هو الآخر نجاحاً، ولم يترك أثراً طيباً، بل تميزت فترة رئاسته بالإخفاقات الكبيرة.
رغم (توجيه) الفريق بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية بعدم تدخل الحكومة في انتخابات الاتحاد العام لكرة القدم، ورغم أن منصب رئيس الاتحاد مقصور على الحزب الحاكم، إلا أن لكل منهما، وهما ينتميان إلى الحزب الحاكم نفسه، من يدعمه في أجهزة الدولة ووسط العسكريين، وكانت النتيجة أن انفلت العيار، وأصبحت الكرة السودانية قضية في الفيفا.
لم أتشرف بمعرفة أي منهما معرفة شخصية، وإن كنت قد التقيت عبدالرحمن سر الختم في أثناء زيارته مدينة الدمام عندما كان والياً للجزيرة، وأجريت معه لقاءً صحفياً نشر في صحيفة “الخرطوم” عندما ضمتني معه دعوة الغداء الفخيم الذي أقيم على شرفه وعلى شرف الوفد المرافق وسفير السودان في المملكة، واستضافتنا يومها دار أخينا عادل علي المضيافة. كان الوفد المرافق يضم موظفاً خاصاً للمراسم. لفت نظري يومئذ ونحن جلوس إلى مائدة الطعام، وأدهشني حقاً موظف المراسم، وهو يقوم بوضع فوطة على صدر الفريق، وهو مستسلم له، كما يستسلم لفوطة الحلاق.
استفزني المنظر والفعل. جمعتني في مراحل مختلفة من العمر وفي مناسبات مختلفة أيضا، وأحياناً بلا حول مني ولا قوة، موائد الطعام مع وزراء وأحياناً مع رؤساء، فلم أشاهد مثل هذا الفعل الذي ترك في نفسي انطباعاً سيئاً جداً، ولكنه في النهاية انطباع شخصي جداً، ووجهة نظر شخصية.
أما معتصم جعفر الذي لم أتشرف بلقائه إلى يوم الناس هذا، فإني مثل كثيرين من أهل مدينة القضارف، أحمله مسؤولية التلاعب أو المشاركة بشكل أو بآخر في التلاعب لسلب فريق أهلي القضارف حقه الشرعي في الصعود إلى الدوري الممتاز ليصعد فريق نيل الحصاحيصا بدلا عنه، وقد سبق أن كتب السيد صلاح ادريس عن هذه الواقعة المشينة أكثر من مرة ،وآثر معتصم جعفر الصمت. موقف شخصي هو الآخر.
المفاضلة بين الاثنين هي مفاضلة بين سيئين، كالمفاضلة بين شهاب الدين وتوأم شهاب الدين، فحواء السودانية الولود لم يصبها العقم ولا زالت بحول الله قادرة على إنجاب الأفضل.
khamma46@yahoo.com