ربما تعود جذور الصراع على الأرض في التاريخ السوداني الحديث، إلى ذلك المرسوم الذي أصدره الإمام محمد أحمد المهدي، بعد نجاح ثورته، وأفتى فيه أن (الأرض لمن فلحها)، فهذه الفتوى – المرسوم أدخلت المهدية في عداء وسلسلة من المواجهات مع قبيلة الكبابيش الرعوية المترحلة، ودفعتهم – أي الكبابيش – إلى إنكار مهدية المهدي، كما أن مرسومه – فتواه جعلتهم يعتقدون أنها ستمكن قبائل أخرى من أرضهم، ومن الواضح أنها قبائل زراعية – مستقرة بعكسهم، إما أن حضورها إلى المكان كان طارئاً، أو أنهم تحسبوا لزحف زراعي قد يغزو أرضهم بعد المرسوم المهدوي.
ويبدو جلياً من الوهلة الأولى الفهم المتقدم للإمام المهدي في هذه النقطة (الأرض لمن فلحها) أو جعلها منتجة بما يفيد صاحبها، ويفيد غيره، ويعود بالفائدة الكبرى نهايةً على الدولة.
قضية الأرض في جزء آخر من السودان، هو دارفور، تعد من أكثر الإشكالات التي واجهت المجتمع المحلي، وعجزت الدولة السودانية طوال عمرها الحديث في إيجاد حل لها، كما أنها تسببت في إهدار الكثير من الطاقات، وإشعال الحروب، وإراقة الدماء وحرق الأخضر واليابس. فالنزاع حول (الحواكير) بين المزارعين (المستقرين) والرعاة (المترحلين) سواء أكانوا أبالة أو بقارة ترتفع وتيرته، وتشتد بين كل فترة وأخرى من دون أي وصول إلى حلول نهائية بوساطة الحكومات المتعاقبة أو عن طريق مجالس الصلح والجوديات التي تشرف عليها الإدارات القبلية في تلك المنطقة، وتحاول عن طريقها حقن الدماء، وتهدئة الخواطر؛ لكن تظل في النهاية المشكلة ماثلة، والسؤال مطروحاً: لمن الأرض؟ ولمن السيادة عليها: من فلحها، المستقر، أم العابر ذهابا وإيابا في رحلة الخريف والصيف؟
اشتعل كثير من الحروب في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، لكنها – الحروب والمعارك – كانت تنطفئ سريعاً، ثم تعود الأوضاع إلى طبيعتها، وتمضي الحياة بين الشد والجذب والتوقعات بنزاع آخر يتجدد؛ لكن مع دخول الألفية الجديدة أخذ شكل الصراع بعداً آخر مع تنوع التسليح الحديث، وكثافته، والتنافس الشرس عليه بين القبائل المتعاركة؛ حتى بدا الأمر كأنه صراع على (الموت والقتل) أكثر منه صراعاً على الأرض والخير.
هل (الأرض لمن فلحها)؟ هل بالإمكان إيجاد صيغ أخرى للتعايش بين أبناء المنطقة الواحدة والأرض الواحدة والوطن الواحد؟ هل في هذه البلد عقلاء؟