في أول إشارة ذات دلالات عميقة تفضح الذعر والهلع الذي أصاب الكثير من قادة القطاعات الأمنية ودفعهم للبحث عن سبل لتحصين وقاتهم من الانشقاقات والبقاء متماسكة، من جهة، ولفرملة التعاطف البائن لأفرادها مع مطالب الشعب ومسراته، من الجهة المقابلة؛ قرر مدير الشرطة الجديد شراء ذلك الولاء برشوة مبطّنة! فقد وافق الفريق أول الطيب بابكر علي فضيل، على حزمة من الإجراءات المالية العاجلية وأولها صرف راتب شهرين لكل نظامي في الخدمة، غض النظر عن الرتبة. وعليه سيصبح في مقدور الضباط الحصول على سلفية تخصم من المرتبات الشهرية بيسر ليستفيدوا منها في تشييد مساكنهم.
وتتراوح السلفية ما بين 200 إلى 600 مليون جنيه بحسب الرتبة.
وفي بند آخر من مكرمات الفريق الطيب بابكر قام بتخصيص دفعة أولى تتكون من 250 من سيارات (جياد) للتمليك وستعقبها دفعات أخرى من السيارات تُطرح على الضباط من كافة الُرتب.
أهم قرار يتصل بهذه “الصفقة الطاعمة” لشراء الولاء كان توصية مدير الشرطة، الذي أكمل شهره الثالث في منصبه الجديد، ادارته المالية إستعجال تنفيذ قراره خصماً من أموال التجنيب الضخمة التي يفيض بها صندوق الشرطة والتي يتشكل عمودة الفقري من غرامات المرور والأتاوات المتفرقة التي تفرضها الشرطة في معاملاتها وخدماتها للجمهور بالإضافة إلى غيرها من محافظ الأستثمار المختلفة.
يحصل الضباط على نسب من هذه الأموال المجنبة وفي كثير من الأحيان يفوق ما يجنيه الضباط منها شهرياً أضعاف رواتبهم.
وعلى محور متصل أفادت مصادر ذات علم وإطلاع في رئاسة الشرطة بالخرطوم أن الفريق أول الطيب بابكر علي فضيل، الذي تم تعيينه يوم 14 سبتمبر الماضي، وجد نفسه في مطبات متشابكة أفصح هذا الأسبوع لخاصته بأنه “لم يعهدها طول فترة عمله بالشرطة منذ إلتحاقه بها” قبل 37 عاماً عندما تخرّج من أكاديميتها ضمن الدفعة رقم 45 في عام 1981. فالمدير الجديد للشرطة يشعر بأنه مدين للرئيس البشير شخصياً على ثقته وإختياره لهذا المنصب رغم أن سلفه الفريق هاشم علي الحسين، الذي غادر ليصبح والياً للخرطوم، إعترض بشدة على تعيينه بل ورشّح ضابطاً آخرا تجاوزه البشير. أما لماذا إختار البشير الفريق الطيب فالترجيح يذهب بإتجاهين: الأول هو أن البشير يفضل كعادته ممن تتوفر عناصر الجهوية والقبلية، وهذا ما يتوفر عليه المدير الجديد بانتمائه لقبيلة الجعليين اذ ينحدر من منطقة الشقالوة المتاخمة لمدينة شندي. أمام السب الآخر فتدعمه رغبة القصر الجمهوري، وتحديداً توصيل الدكتور فيصل حسن، أن يكون من يخالف هاشم الحسين (راجل شرطة مش فني أجهزة) على حد ما نُقل عن وصف فيصل لهاشم، وبخسه لقدراته الشرطية في مسلسل الصراع بينهما على أذن البشير!!!.
وإستتباعاً، فإن ما أعتبره البشير فشلاً لجهزي الشرطة تحت قيادة هاشم الحسين، والأمن والاستخبارات تحت قيادة محمد عطا في قمع العصيان المدني الشامل في ديسمبر 2017 أعطى دفعة كبيرة لترشيح الفريق الطيب المشهور بولعه بنظريات العنف الشرطي منذ أن كان قائداً للأحتياطي المركزي بل وتاهله بدورة دراسية عنوانها يكفي لتأكيد محتوها وإنسجامها مع سلوكيات هذا النظام الباطشة. تلك الدورة مثبته في سيرة جنابو بمسماها كاملاً: (دورة مكافحة العصيان والتمرّد)!! هذه، عملياً، ما يواجهه الفريق أول الطيب بابكر علي فضيل من خيارات التحدي أمام معضلة الولاء، فإما ينحاز لشعبه وبخاصة أن أهله وعشيرته يقطنون في بؤرة بركان ثورة ديسمبر التي أنطلقت وتفجرت في عطبرة وعموم مدن ولاية نهر النيل، وإما أن يجرفه منظور الولاء الوظيفي ويجر تاريخه كله معه في رهان على رئيس مكروه ومرفوض، بيد أن الأنكى والأخطر هو أن يحاول الفريق أول الطيب بابكر علي فضيل تنفيذ ما تعلمه في الاحتياطي المركزي من بطش وتنكيل بشعب مسالم سلوكاً وصفة بيد أنه أصبح اليوم عصياً على الدرقة والرصاصة.
سنرى!