وأنا أُعِدُّ لكتابة هذا المقال، أرسل إلينا أحد الزملاء في مجموعة إسفيرية مشتركة، تسجيلاً ثانياً، ومهماً لأحد صُنّاع الإنقاذ الأوائل، ممن لا يزالون يتحَلَّون بالرُّشد، وبالوعي، والعقلانية..فوجدتُ أن رؤيته تتوافق تماماً مع ما وددتُ كتابته في مقالي..
الرجل الإنقاذي هو السيد الشفيع أحمد محمد، وهو أحد قادة الإنقاذ البدريين، وكان أميناً أسبقاً مختاراً للمؤتمر الوطني، وكان أميناً كذلك للأمانة السياسية فيه، وهو من دار فور، وقد أُقصِيَ بعدما فاز بعد ذلك أميناً منتخباً، أُقصِيَ لصالح غازي صلاح الدين، في تمثيليةٍ مزوَّرة، يعلمها الجميع، ويرجِّح الكثيرون أنها لم تكن إلا بسبب جذوره الدارفورية !!
المُهم، وكما يعلم الجميع، فإنّ المؤتمر الوطني يُزمع تسيير مسيرةٍ يسمونها (مليونية) يوم الأربعاء، لإظهار التأييد للرئيس البشير، و للمباهاة بمقدرتهم علي حشد أنصارِهم، ومؤيديهم، في مقابل ما حشدته الجموع السودانية التلقائية المعارضة، حتي الآن، لسياسات الرئيس البشير في الأيام السابقة !
وأنا هنا أسألُ الله تعالي، وأتضرّع إليه، أن يُلهم إخواننا قادة المؤتمر الوطني، وصُنَّاع الرأي فيه، ولو في اللحظات الآخيرة، أن يُلهمهم وعياً، وعقلاً، ورُشداً، ليُعرِضوا عن هذا العبث، والصبيانية، واللعب بالنار المُسمَّي (المسيرة المليونية المُزمعة)..إذ لطالما قال هؤلاء إنّ جموع الشعب السوداني قاطبةً، وبكاملها تؤيدُهم، وتساندهم، وتدعم رؤاهم وسياساتهم.. ولطالما كرَّر السيد الرئيس نفسُه ذات الكلام دائماً وتكراراً، وبالأمس القريب قال: إنه إينما يتجه يجد المؤيدين يصطفون لرؤيته ولتحيته !!
• طيِّب، وفي هذا الظرف العصيب الذي تمُرُّ به بلادُنا، وفي ظل أزمةٍ سياسيةٍ، وإقتصاديةٍ خانقة في كل مناحي الحياة، ومع هذا الإحتقان غير المسبوق، ماذا يفيدُ المؤتمر الوطني لو حشد مليوناً، أو مليونين، أو ثلاثة -من جملة مجاميع الشعب التي تؤيده- غير أن يثير حِنق الناس، وغضبهم، وإستفزازهم، وسخريتهم، وإستيقانهم أكثر وأكثر بمقدرة قادة المؤتمر الوطني علي حشد الدجل، والإفك، والنفاق، والانصراف إلي ما لا ينفع الناس في مثلِ هذه الظروف الحالكة؟!!
• ماذا يفيد المؤتمر الوطني أن تقول عنه بعضُ محطات التلفزة إنهم حشدوا مليوناً، أو مليونين، أو ثلاثة والناسُ كلهم يعلمون أنَّ هؤلاء ما هم إلا من طلابِ المدارس المُساقين، وأنهم من موظفي الدولة المقهورين، أو من عوام الناس، وجهلائهم، وضعفائهم، ومغشوشيهم المُغرَّر بهم والمأجورين مدفوعي القيمة؟!!
• هل سيُغيّرُ ذلك شيئاً من واقع حياة الناس البائس، ووضعهم المعاشي المُتردي، وظروفهم الإقتصادية الطاحنة؟!
• هل، ومع هذه الجموع (المليونية) المُزمع حشدُها ستتدفق طلمباتُ البنزين بالوقود، وهل ستمتلئ الأسواقُ بالخبز المتيسِّر المستطاع، وهل ستهدرُ ماكينات الصرف الآلي بالدولار، وبالجنيه السوداني لطالبيهما من الشعب المستجدي لهما أمام بواباتِ البنوك؟!
• هل يعتقدون أنّ العالم سينظر إلي نظام الإنقاذ أنه إذن نظامٌ مقبول، ويجدُ التأييد، ويناصره الملايين فعلاً؟!
• هل ما يزال يعتقد الإخوة قادة المؤتمر الوطني إنهم يستطيعون مواصلة خِداع أهل السودان، والضحك علي العالم كلِّه كما قال من قبل الشيخ الراحل الدكتور الترابي؟!!
• والأهم، والأخطر من هذا، وهو الراجح، وكما قال الشفيع أحمد محمد فماذا لو إندسَّ بعضُ (الخونة، والمارقين، والمرتزقة وهذه من عندي) ممن يعارضون، ويتظاهرون ضد سياسات الحكومة الفاشلة، ماذا لو إندسّ بعضُ هؤلاء، وهتفوا أثناء خطاب الرئيس، أو قبله، أو بعده، فإنقضَّ عليهم مهووسو، وزبانية المؤتمر الوطني ضرباً، وتقتيلاً، وسحقاً، وتدخَّل معهم عندئذٍ رجالُ الأمن المترصِّدون، الموتورون، فتحوَّل المنظرُ كلُّه إلي مطحنةٍ ومجزرة، بدلاً من أن يكون لهم مفخرةً (وفشخرة)؟!!!
• يا إخواننا يا أهل الإنقاذ، ويا إخواننا ممن فيهم بقيةٌ من عقلٍ من قادة المؤتمر الوطني..
يقولُ (أهلكم) في دار فور: (الطين في الرِّجلين ما ببقي نِعلين)..
إنَّ هذه الإستعراضات الكاذبة، والتمظهرات المنافقة، الساذجة إنما هيَ بمثابة الطين العالق بالرجلين الذي لن يكون (نعلين حقيقيين لأرجلكم) أبداً يقيها من حرِّ الله، أو من حرِّ جهنمِ، ولا من حرِّ غضبة الشعب الجائع، البائس، اليائس مما تصنعون، وتعبثون، ومما تدجِّلون !!
• أعرِضوا، ولو لمرةٍ واحدة، عن هذا العبث، واللعب بالنار، وجنِّبوا (ناسكم) من جهة (وناس الشعب السوداني من جهة أخرى)، جنّبوهم (فتنةً لا تُصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)..