لاحظت أن للأستاذ علي عثمان محمد طه مهارة ملحوظة في التعبير الجسدي عن نفسه كلما أراد لفت الإنتباه إلى مقدار الجديّة التي يُريد أن يُؤخذ بها حديثه، فهو يقوم بضم جفني عينيه وقطب حاجبيه مع التحديق إلى الأمام وهي حركة – إندثرت الآن – كان يُقال لها في الماضي “الغروَدَة”، وهي خِصلة قديمة عند الأستاذ علي عثمان، وقد لاحظت ذلك على المقطع المُصوّر الذي يجري تداوله هذه الأيام والذي ذكر فيه – وهو يُغروِد – أمام الجمعية التأسيسية في عهد الديمقراطية الأخيرة ما يفيد إستنكافِه الغليظ لحجز السلطات للفتيات بأقسام الشرطة، ويقول أن هذا فعل لم يحدث في السودان حتى في عهد الإستعمار.
في لقائه التلفزيوني مساء أمس (9 يناير 2019)، إستبسل الأستاذ علي عثمان في الدفاع عن النظام، وإجتهد في تفنيد أسباب إندلاع الثورة الشعبية التي تطالب بسقوطه، ولم يقُل في ذلك أكثر من الحجّة التي يتجوّل بها من فضائية لأخرى زميله في التنظيم ربيع عبدالعاطي، وهي إنتظار إنتخابات 2020 لمن يريد إسقاط النظام عبر صناديق الإقتراع، وحينما جاءت لحظة الحسم والجديّة، إعتدل الأستاذ علي في جلسته ومطّ جسده إلى الأمام، ثم رسم على وجهه قدراً من الصرامة والجِديّة قبل أن يُفجّر قنبلة حديثه ويقول ما معناه: “نحن لن نكون فريسة، وأن هذا النظام لديه كتائب ظِل كاملة لديها استعداد للتضحية بالروح والدم حتى لا يحكم البلاد العلمانيون”.
هذا حديث لشخص مذعور يخشى من عواقب التغيير على ما سوف يطاله من محاسبة، فالذين واجهوا الموت بصدور عارية وقدموا أرواحهم شهداء من أجل إزالة النظام، لا يُرعبهم كلام شخص من داخل إستديو تلفزيون وصل إليه من الضيعة التي يعيش فيها عن طريق التخفّي. بيد أن هناك زاوية في هذا الحديث ينبغي النظر إليها بشيئ من الجديّة، خاصة وأنه قد سبقه عليه حديث بنفس المعنى للضابط الذي وصل رتبة لواء ولا يزال معروفاً بإسم الرائد يونس، وهي أن هذا الخطاب، بخلاف كونه يتضمن تعريفاً للجهات المسئولة عن عمليات قتل المتظاهرين التي كانت قد قُيّدت ضد مجهولين بعد أن أنكرت الجهات الرسمية مسئوليتها عن ذلك، فإن هذا الخطاب يكشف بوضوح وصراحة عن نية هذه الجماعة للإتجاه نحو العنف إذا خرجوا من السلطة.
هذا الخطاب (باللجوء للعنف) هو الذي يكشف المقصود ب “الفزّاعة” التي ظل أركان التنظيم يردّدونها كلما جاء الحديث عن الثورة ضد النظام وإسقاطه بالزعم بأن مصير الوطن سوف يكون شبيهاً لما يحدث الآن في بلاد أخرى مثل ليبيا وسوريا واليمن .. إلخ، كما يكشف هذا الحديث عن عدم قبول هذه الجماعة لأي نظام حكم آخر من خارج مرجعيتهم ما يدَّعون به من قبولهم لمبدأ التداول السمي للسطة.
بمثل هذا الحديث يضع التنظيم نجمة وقلادة على صدر التنظيمات السياسية والجماعات الأخرى وكذلك الأفراد الذين صبروا على ظلم هذا النظام وبلاويه لثلاثة عقود دون أن يلجأوا لمثل العنف الذي تُهدِّد به هذه الجماعة وتفعله في بلاد أخرى من إغتيالات وتفجيرات وإرتداء الأحزمة الناسفة، فقد كان (أسهل) على الذين حملوا السلاح وقاتلوا النظام في الأطراف والبراري والغابات أن ينفذُّوا عِوضاً عن ذلك عمليات دموية ضد الحُكّام، ولكنهم إمتنعوا عن ذلك، ولم تنتقل الحرب إلى المدن برغم تطاول أمدها، وكل المدنيين الذين عانوا من ويلات الحرب في دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق، وقع ذلك عليهم نتيجة القصف بالطائرات وبأيدي مليشيات الحكومة.
هذا خطاب يستلزِم التسريع بإنهاء النظام لا الإبقاء عليه، كما أنه يُلقي بمسئولية كبيرة على الأحزاب والجماعات السياسية للإنتباه وعمل كل ما يلزم نحو الحفاظ على تماسك الوطن والإبتعاد عن كل فعل يؤدي إلى حدوث صراعات تستغلها هذه الجماعة، وأن تُتخذ التدابير الوقائية التي تمنع من تنفيذ هذا الوعيد.
سلّم الله الوطن، والمجد والخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين بسجون النظام، والنصر قريب بإذن الله.
سيف الدولة حمدناالله
saifuldawlah@hotmail.com