مظاهرة تلو مظاهرة، في كل مرة يثبت الشعب السوداني أنه من أجرأ شعوب الأرض وأشجعهم وأكثرهم صموداً. إذ يواجه المتظاهرون العزل أشرس نظام عسكري بما لا يمكن مقارنته مع بقية الأنظمة في المنطقة، عربياً وافريقياً. ذلك أن نظام الإنقاذ ظل يخصص نحو سبعين في المائة من ميزانية البلد سنوياً لقطاع الأمن والدفاع. وبرغم المأزق الاقتصادي الذي تمر به البلد حالياً، فإن قوات الأمن لا تتورع عن إطلاق مئات القنابل المسيلة للدموع لفض المظاهرات. علماً بأن تكلفة القنبلة المسيلة للدموع تتراوح بين 55 إلى 100 دولار؛ فضلاً عن الرصاص الحي الذي لا يتوانى النظام في استخدامه آناً بعد آن.
وبزيادة المظاهرات، وارتفاع عدد المشاركين فيها، تزيد جرأة الشعب وجسارته. فمتى انكسر حاجز الخوف، فقد ذهب النظام في خبر كان. وهذا ما حدث بالفعل، ذلك أن زيادة المظاهرات من حيث عددها ومن حيث عدد المشاركين فيها وكيفية تعبيرهم الخلاق عن رغبة الشعب بأسره في نظام ديمقراطي يرسخ قيم المواطنة والعدل والنزاهة.
إن رداء الهيبة الذي كانت الإنقاذ تلتحفه لتستر عن سواءاتها قد تمزق تمزقاً ظاهراً، ليكشف عن نظام جبان رغم الدموية التي يهدد الناس بها.
أما الذين شاركوا في مظاهرة تأييد النظام، فقال بعضهم إنهم قد غرر بهم، وإنهم قد أخذوا على حين غفلة. وليس في الأمر غرابة، فقد أخذتنا الإنقاذ جميعاً على حين غفلة لمدة ثلاثين سنة عجفاء كان من نتيجتها أن ضاعت منا قفة الملاح، ولم يجد أبناؤنا وبناتنا تعليماً مجانياً مثلما اعتاد أباؤهم عليه في الماضي، كما لم يجد الجميع العلاج المجاني رفيع الجودة.. وهو ما تحرص عليه كل حكومة تحترم الإنسان وتعتقد أن صحته وكذلك تعليمه هما عمادان يمهدان لقيامه بالانتاج بفعالية واقتدار.
مظاهرة.. تلو مظاهرة.. يزيد تلاشي حاجز الخوف، ويصبح التغيير أمراً حتمياً يتشكل في رحم مستقبل قريب.