لعنة الله على الذين حولوا دين الإسلام السمح إلى سيف مسلط على الرقاب.. رقاب المسلمين قبل غيرهم، فهؤلاء لهم فهم للدين يجافي كل تعاليمه التي تحض على التسامح واللين والعطف، وكل المعاني الإنسانية السامية التي في كل ملة ودين.
لا يمكن أن يكون هؤلاء قد تدبروا آيات الله وفهموها، ولا يمكن عقلاً ومنطقاً أن يأمر الله خالق الناس جميعاً بعض خلقه أن يقتل ويدمر غيره بهذه القسوة التي تجسدها الحوادث التي غطت العالم، ويتبجح بعض المتأسلمين بأنهم وراءها، بل يصدرون البيانات التي تلصق البشاعة بالإسلام والمسلمين.
أقباط مصر تحديداً عشنا بينهم، ودخلنا بيوتهم ودخلوا بيوتنا، وأكلنا من أكلهم، وأكلوا من أكلنا، وفرحنا معاً في المناسبات الجميلة شخصية كانت أم وطنية، فعشنا على سبيل المثال معاً أفراح النصر في أكتوبر 1973م، وكان منهم من استشهد في ساحة القتال، دفاعاً عن مصر والعرب والمسلمين.
وسهرت أمهات زملائنا الأقباط على راحتنا ونحن نذاكر، ونجد، وكانت دعواتهن لنا بالنجاح تثلج الصدور، وكان أبناؤهن ينادون أمهاتنا (يو) و(يومة) و(ماما)، وكانت أمهاتنا لا يرونهم إلا إخواناً لنا، فلم يفرق بيننا الدين، ولا الانتماء قبلي وبحري، كنا نسخر من بعضنا بعضاً بحب، من دون تجريح، كنا ننام على سرير واحد، وأنفاسنا تتعانق، ونتقاسم معاً اللقمة، فما في جيب أحدنا هو ملك لنا جميعاً، كنا ندخل الكنائس من غير أن يفتشنا أو يشك في نوايانا أحد.
تفرقنا بعد أن تخرجنا في الجامعات، وتقاذفتنا المهاجر، ومع ذلك ننتهز كل فرصة لنلتقي في أحضان مصر بالشوق نفسه، وباللهفة نفسها، فنحزن على من مات من آبائنا وأمهاتنا وزملائنا، ونفرح لنجاحاتنا ونجاحات أبنائنا، ونتذكر الأيام الخوالي.
عندما أذهب إلى شارعنا القديم في شبرا يستقبلني جميع من يعرفوني بعناق وحب، لا فارق بين مسلم ومسيحي، بل لي علاقات أكثر عمقاً مع بعض إخواني من المسيحيين.
لم يخطر ببال أحدنا أن الدين يمكن أن يكون حاجزاً، بل المتدين منا مسيحياً كان أم مسلماً كان الأكثر صدقية عندنا، وكنا نراه مثالاً يستحق الاقتداء، لم يكن التدين رياء ولا تعالياً ولا ادعاءً، كان تديناً صادقاً يحض على الفضائل، وأهمها فضيلة التسامح، وامتلاك طاقة متجددة من الحب تفيض على الآخرين.
هل يمكن أن يكون هؤلاء الذين لا يعرفون غير ثقافة الموت من المسلمين حقاً؟ وهل الإسلام يجيز أن يؤخذ الأبرياء بجريرة من يظن هؤلاء الموتورون أنهم يظلمون المسلمين؟
لا يوجد أي مسوغ أن يقوم مسلم يوحد الله بقتل أقباط أبرياء بدم بارد، لا يمكن أن يكون الإسلام دين الرحمة للعالمين سبباً لحزن إنسان مهما كانت ديانته. هذا العبوس لا يليق بالإسلام، وهذا التعطش للدم الإسلام منه براء، وهؤلاء الذين يروعون الآمنين لا يستحقون غير اللعنة من الله وخلقه على اختلاف دياناتهم ومللهم.