بدأت السلطات المسعورة حملة اعتقالات عشوائية لا تفرز متظاهر أو متفرج أو ممارض أو حامل دواء ولا عابر طريق هي بالضبط حملة إخلاء الشوارع من الناس، أعتقلنا بالقرب من كمبوني ونقلنا إلى نقطة أبو جنزير التي لم تذكرني إلا تلك الصور التي نقلت معركة قوز دنقو، هي حرب بالفعل.
يتم هناك تحويل المعتقلات والمعتقلين وفرزهم، نٌقلنا نحن إلى القسم الشمالي عبر حافلة كبيرة. وقف سائق الحافلة على الباب وأظنه ضابط، وقال لنا اجمعوا هواتفكن إن شئتن، والتي لا تريد تسليم هاتفها هي حرة لكن لن نتحمل مسؤولية فقدانه، واصل قوله: نحن ناس الوقائي لكن لو سلموكم للطلابي تلفوناتكم دي ما بترجع تاني.
ظللنا في أبو جنزير لأكثر من نصف ساعة لحين اكتمال الاجراءات، شاهدنا حجم انتهاكات ليس له مثيل، حفل نهاري عنوانه الإذلال والإهانة وإهدار الكرامة، وعلى الهواء مباشرة، ضرب وإهانة وتعذيب للأولاد لا مثيل له، والذين لا يقومون بهذه المهام يستمتعون بالمشهد أو غير آبهين، أكثر من خمسة رجال يقعون ضربا مبرحا في شاب لا يحمل إلا ملابسه.
في الشمالي بلغ عددنا أكثر من مائة، محاميات، طبيبات، أستاذات بجامعة الخرطوم، موظفات، وغيرهن، حكين عن حجم الضرب الذي تعرضن له، وكمية الإساءة والشتيمة، بل بعضهن حكى عن حالات تحرش، وهذه جديدة.
بعد ساعات، جاوءا بعدد من المعتقلات بعدما طافوا بهم حول الأقسام والمعتقلات حيث لا شواغر، انضممن إلينا في الشمالي وانطلقت الهتافات من داخل الحراسات تشق عنان السماء. هتافات مدوية ومتواصلة لا تنقطع إلا حينما يأتي الضابط أو العسكري لإذاعة إسم من تم الافراج عنها.
مشهد خالد…لحظة اعتقالنا بالقرب من كمبوني، في شارع السيد عبد الرحمن، سائق أمجاد سبعيني ملتحي غليظ الملامح، الغضب يشع من وجهه، أوقف عربته موازيا للبوكس، ردد عليهم في وجوههم انتو ما نافعين، انتو ما نافعين، ثم أدار مقوده وانصرف.
الخلاصة: الروح عالية رغم الآلام، خوف زيرو، خوف زيرو، خوف زيرو..بعضهن خرج لأول مرة، وبعضهن أعتقل من الشارع لم يكن يقصدن المظاهرات، جميعهن عزمن على التظاهر في المرات القادمة بعدما شاهدوه في أبوجنزير.
#تسقط_بس
#مدنالسودانتنتفض