يمر السودان هذه الأيام بمنعطف خطير، إما أن يبقى أو يتلاشى، تحت سطوة نظام فاشل، ومريض مرضاً عضالاً لا يرجى شفاؤه، نظام تنازل عن أكثر من ثلث مساحة السودان في سبيل أن يسلم رئيسه من الملاحقة الجنائية على إثر جرائم ليس مع أعداء الوطن، وإنما فى حق شعبه، شعب السودان.
نظام دمر كل بنية الوطن التحتية بالإهمال وسؤ الإدارة وبالفساد وبسياسة التمكين.
نظام باع كثيراً من مشروعات السودان بدل إصلاحها وتطويرها، ودافعه في ذلك كان هو الرشاوى وسؤ التقدير والانفراد بالرأي.
رئيس النظام يتسول الدول هذه الايام في انكسار، وهوان، وضعف ظاهر. يهين الشعب السودانى ويسئ الي كرامته وعزته، وهو يفعل ذلك ليوفر المزيد من أدوات القتل والقمع والقهر للشعب السودانى الذي يخرج بالآلاف كل يوم، وهو أعزل، إلا من إيمانه بضرورة التغيير لهذا النظام القاتل لمستقبل شباب السودان، والمدمر لتطلعاتهم في الحرية والاستقرار.
على الرغم من الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة هذه المسيرات والاعتصامات السلمية، فإن الشعب السودانى أظهر اتحاداً فريداً حول مشروعه الموحد للتغيير وإعادة بناء الدولة السودانية.
والمتابع للمشهد يرى بوضوح اندماج كل المشروعات السياسية الخاصة بكل الأحزاب والقوي المهنية والاجتماعية، في مشروع وطنى واحد واضح المعالم، يقوم على هدفين أساسيين وهما: إزالة النظام الفاشل القائم، وإعادة تأسيس الدولة الوطنية السودانية على ركام وحطام السودان الذي خلفته تجربة ثلاثين عاما من حكم الجبهة الإسلامية فيما يسمى بالإنقاذ.
ويشاهد المتابع وبوضوح ظاهر درجات الوعي الكبير عند الثوار، ومظاهر الوحدة في الشعارات التي تعكس هذه الرؤية الموحدة والأهداف المحددة؛ في اتحاد وتوافق على الأهداف، لم يحدث في تاريخ السودان القريب ولا حتى القديم بعد الثورة المهدية..
ومن أهم مظاهر هذا التوافق والوحدة في الأهداف، تراجع كل الشعارات السياسية والفكرية الخاصة لصالح المشروع الوطنى الموحد والأهم، وعدم تجاوب كل القوى الوطنية في كل منصاتها لاستفزازات النظام المستمرة، والتي ينشط فيها بكثافة عبر مؤسسات الدولة وعن طريق أبواقه في الأجهزة الأمنية، وفي القوات المسلحة، وفي وسائل الاعلام الموجهة، وهذا ما ادي إلى فشل كل محاولات النظام المجتهد في دق اسفين بين مكونات الحراك الوطنى الشامل وإثارة الفتن وزرع الشكوك فيما بينهم.
كما أن محاولات النظام لم تفشل فقط، وانما أصبحت ترتد إليه، في ظل موقف وطنى صلب وكاسح لا يعرف الانكسار، وغير قابل للمساومة.
ومن أهم النجاحات لهذه الثورة أنها ومنذ لحظة باكرة، نجاجها في معالجة الكثير من جراحات الوطن وأهله التي تسبب فيها النظام، الذي زرع الفتن بين المكونات الوطنية، وضيّق على السودانيين مما جعلهم يهيمون على وجوههم في كل الدنيا، بعيدا من اسرهم ووطنهم، ويتعرضون لأسوأ التجارب.
لقد أصبحت شعارات الثورة المرفوعة البلسم الشافي لصدور الذين قتلت أسرهم، وانتهت حركاتهم وشردوا من ديارهم ظلماً وعدواناً، مما جعلها درساً محفوظاً على ألسنة المواطن السودانى من كل الأعمار وفي زمن قياسى، الشيء الذى زاد ثقة الشعب في البديل.
أما رئيس النظام، فإن هذا الحراك المبارك قد جعله يتخبط كالذى يتخبطه الشيطان من المس، وينشط ومن معه في يأس وبلا هوادة، يحاولون الخروج من الورطة التي أدخلوا فيها انفسهم والوطن، ولكن ظلت تأتي خطواتهم بلا توفيق، وأصبحت ترتد وبالاً عليهم، فتكشف المزيد من عوار رؤاهم، وسؤ أحوالهم، وقلة حيلتهم، ويرى ذلك الجميع في وجوههم، التي فارقتها الابتسام،وهيئاتهم التي نزل عليها الهم والخوف من سؤ المصير الذى ينتظرهم بسبب سؤ أفعالهم.
الشعب السودانى الموحد يحشر الرئيس ونظامه حشراً في ركن قصى، والنظام ورئيسه يسابقان الزمن ويلهثان لهثاً، لتفادي سقوط نظامهم البائس سيئ السمعة، ولا يكادون يغطون عورة فيه، حتى تنكشف للعيان عورات أخر، أقبح منظرا، فيزدادون اضطراباً على اضطرابهم، وضعفا على ضعفهم، وهواناً على هوانهم؛ ويزداد الشارع تماسكا وقناعة وثقة بشرعية موقفه الموحد، وتزداد الثورة كل يوم ثباتاً واعتماداً علي نفسها، وهي تكتسب كل يوم المزيد من الاتساع في مساحات انطلاقه، والمزيد من اعداد الواقفين في صفها.
بالأمس خرج أساتذة جامعة الخرطوم من مختلف مدارسهم الفكرية والسياسية، بما في ذلك بعض كوادر التنظيم الذي يحكم الآن، في وحدة لم تحدث منذ قيام جامعة الخرطوم، ليؤكدوا ملامح ذات المشروع الوطنى المشترك الذي ترفعه الثورة، وتتوحد حوله إرادة كل الشعب.
انتصار الثورة السودانية أصبح أمراً محسوماً ومحتوماً، ولم يتبق الا قليل من الوقت حتى تتهاوى كل أركان النظام الفاقد لكل مقومات البقاء، ولن تجدى مع هذا الموقف الموحد محاولات النظام اليائسة العاملة علي كسر اردة كل الشعب السودانى، الذى توحد كله خلف مشروع وطنى واحد حتماً سينتصر، ولن يفلت فراعنة النظام هذه المرة،
وعليهم فقط أن يختصروا الطريق ويوفروا الوقت ويحقنوا هدر المزيد من دماء السودانيين، لعل ذلك يشفع لهم أمام محاكم عادلة، في مواجهة هذه الارادة الوطنية القوية والمتحدة والمتصاعدة والملتفة بوعى حول مشروعها الوطنى الموحد.