عفوا أخي وصديقي ضياء الدين بلال لم أقبل مقالك هذا أو أتقبله، ولا قبلت أن يأتي منك، لأن عشمي فيك كبير.
نحن لسنا في مباراة كرة قدم..ولا منافسة في الخطابة في جمعية أدبية. ولسنا في خضم خلاف سياسي بين أحزاب وجماعات فكرية وسياسية في مجتمع ديمقراطي، نحن نخوض صراعاً شرساً ضد نظام قمعي فاسد، ويقيننا أنه يجر البلاد كل يوم نحو الهاوية، ولا سبيل سوى مقاومته عبر الوسائل السلمية التي خبرها شعبنا وجربها.
نحن من نخاف على بلادنا من أن تنجرف لحال ليبيا واليمن وسوريا، نحن من نملك هذا الخوف ونتجنب هذا المصير، لهذا لم نخرج نحمل سلاحا ولا قنابل ولا مدافع، بل خرجنا نحمل هتافاتنا وصدورنا العارية، فماذا كان رد فعل النظام…؟
لا يغرنك حديث السيد رئيس الوزراء معتز موسى عن أن هذا الحراك رد فعل طبيعي ومحترم من أناس لديها مطالب مشروعة، فما قاله السيد معتز يدينه ولا يشهد له. هو رئيس الوزراء، فماذا كان رد حكومته وأجهزتها على هذا التحرك المحترم للمطالب المشروعة..؟. إن حكومته تعتقل القيادات السياسية والنقابية وتزج بها في السجون، تمنع حق التعبير السلمي وتعتقل المتظاهرين السلميين تفرق جمعهم بالغاز المسيل للدموع وتضربهم بالخراطيش والعصي وتقتلهم بالرصاص والتعذيب في الشوارع والسجون . إما أن رئيس الوزراء لا يملك السيطرة على حكومته وأجهزتها، وهنا عليه أن يدفع فاتورة ضعفه وليس المتظاهرين السلميين، وإما أنه كاذب ومنافق، يطرح كلامه هذا للزينة في المنابر، ويوافق على ما تفعله الأجهزة.
هذا المقال، يا صديقي ضياء، يصلح ليناسب الأوضاع في بريطانيا أو فرنسا أو أي دولة ديمقراطية، حيث أنه ينسجم مع آليات حل الخلافات السياسية بالوسائل السلمية. لكن عندما أقرأه مع الواقع السياسي السوداني أحس بأنك قادم من المريخ.
نحن نعيش في ظل نظام قمعي يقيد الحريات العامة ويمنع الناس من ممارسة حقوقها، بما في ذلك الصحيفة التي ترأس تحريرها ، فيمنعها أن تتعامل مع الأحداث والأخبار بمهنية، فتنشر أخباره ونشاطاته ووجهة نظره، ولا تنشر ما يجري أمام أعينها من أحداث…. أليس هذا ما يحدث.
يا عزيزي ضياء، كيف يمكن أن تساوي بين الجاني والضحية، بين القاتل والمقتول، بين من يخرج وسلاحه الهتاف ومن يخرج وسلاحه العصى والخراطيش والرصاص الحي، بين من يطالب بحقوقه الإنسانية وبين من يقمعها.
نظام يعذب المعتقلين والمعتقلات في السجون، وأرجو أن تسجل زيارة لمنزل زميلك الدكتور خالد التجاني وتستمع لشهادة ابنته التي سبق اعتقالها، نظام يموت فيه المعتقلون بأبشع وسائل التعذيب عبر التاريخ، ثم تطالبنا بان لا نستخدم ضده خطاب الكراهية…..؟
يا سيدي لا يمكنك أن تكون مع الخير إن لم تكره الشر، لا يمكن أن تكون مع القيم الإنسانية إن لم تكره من ينتهكها، لا يمكنك إن تكون متعاطفا مع الضحية إن لم تكره فعل القتل والتعذيب ومن يمارسه.
ليس مطلوبا منك أن تتخذ موقفاً سياسياً محدداً، فهذا خيارك الشخصي، لكن المطلوب هو موقف أخلاقي وإنساني مما يجري.
توقفت بالأمس كثيرا عند لقطة فيديو لطلبة وطالبات أساس يتظاهرون في شمبات، وهم يحملون صورة الشهيد الأستاذ أحمد الخير ويهتفون في حرقة “سامحنا يا استاذ”..بكيت كثيراً، ولا أخجل من قول ذلك، بكيت لأني لا أستطيع مثلهم أن أطلب السماح، ولا أظنك تستطيع، لأن علينا أن نفعل أكثر من طلب السماح، أن نتخذ موقفا، فلا ضمائرنا ولا إنسانيتنا ولاالتاريخ ولا الخالق عز وجل سيقبل من أن نكون بلا موقف إزاء جريمة بهذه البشاعة.
يقول مارتن لوثر كينق إن آخر مكان في الجحيم محجوز لمن يقفون على الحياد عند المعارك الأخلاقية العظيمة،
ونحن الآن في خضم معركة أخلاقية عظيمة، ولا أجزم بتاتا أنني أملك بوصلة الأخلاق لأحدد أين يقف الناس، لكني وبعزم وبصيرة البشر غير المكتملة أعرف أنني لا أقف على الحياد، فليس هذا طبعي ولا طبيعتي.
المقال منشور في صفحة الزميل الصحافي فيصل محمد صالح في الفيسبوك