الي المشفقين على الثورة نقول أن الثورة تسير بثقة وتتقدم بشكل مطرد نحو تحقيق أهدافها كلها، وأهمها اسقاط النظام. والدليل على ذلك يتمثل فى التجاوب المستمر والواسع والمتسع كل يوم ومع كل دعوة للتظاهر تطلقها اللجنة التنسيقية العليا للحراك، والتي تدير هذا الحراك بذكاء وحكمة. تتكون اللجنة التنسيقية العليا من تجمع المهنيين والقوي السياسية والمدينة، وقد نجحت هذه التنسيقية العليا الي الآن في توحيد كل الرؤى الوطنية في اطار مطلوبات المرحلة، وتمكنت من توجيهها بشكل جيد وفق الأولويات التي حددتها، ويرى المتابع اللصيق للحراك وبشكل واضح وجلى كل يوم دخول المزيد من المجموعات السياسية والاجتماعية والمهنية والعلمية والنوعية الجديدة الي مسيرة الحراك… في تقديرى يجب ألا نستعجل التغيير، وألا نتوقع حدوثه بالسرعة التي حدث بها في أكتوبر وابريل، لان الانظمة في التجارب السابقة أنظمة مختلفة فى شكلها ودرجة سوئها وفي مدد حكمها وفي شكل التكسير الذي احدثته في اجسام القوى السياسية والمهنية وحتى الاجتماعية. أعتقد جازما أن القدرة علي الصمود والصبر على استمرار الحراك بهذا الزخم الجليل، سيحقق أهداف كبيرة ومهمة من أجل انجاز التحرير بشكل جذري، ومهمة ايضا لرسم خريطة البديل بشكل أكمل، ومهمة ايضا لمعالجة الكثير من الاشكالات والخلافات التي نجح النظام في احداثها فيما بين القوي السياسية المعارضة وداخل كل التنظيمات السياسية والمدنية، وحتى داخل النسيج الاجتماعي؛ وخاصة القطاع المهني والذي أضعفه وأخرجه من التأثير بواسطة قانون نقابات المنشأة الذي ضيع حقوق العاملين وادي الي خراب المؤسسات العامة والخاصة وفتح المجال لسياسة التمكين. كل يوم يمر والتماسك الوطني يستمر بهذا الشكل سيضعف النظام اكثر، وسيصيبه بالارتباك، وسيؤدى الي فقدان النظام المزيد من الحلفاء، والي تساقط الكثير من عضويته ايضا، وينتهي الي تفكيك مكوناته، وسيؤدى ايضا الي فقدانه وقوف القوى النظامية المسلحة مجتمعة او انقسامها بين مؤيد له ومناصر للشارع. وكل يوم يظهر فيه النظام اي تراجع عن وسائل القمع امام استمرار الحراك سيؤدي الي زيادة الحضور في الشارع وانضمام المزيد من المجموعات التي كانت تتردد اما خوفا من بطش النظام او توجسا من البديل. وسيؤدى ذلك الي المزيد من التأييد الدولي للشارع والموقف المعارض للنظام. وبذلك فان النظام وحده هو الخاسر الأكبر من استمرار هذا الحراك لأطول مدة. الأمر المهم الآن هو إن هذه الثورة تحمل عدد من الأهداف والاجندة وأنها تواصل في انجازها بإتقان، وهي تسير في الطريق نحو الانتصار النهائى، انها ثورة للتغيير ولاعلاء الوعي ولإزالة كل التشوهات التي أحدثها النظام في العقل الجمعي للشعب، وخاصة داخل الطبقات المتعلمة والمثقفة فيه. ولذلك فان أهداف الثورة فعلا كبيرة وعظيمة وتستحق الدعم المستمر وتتطلب فيما تتطلب، الصبر عليها وتحمل كل الأثمان في سبيل تحقيقها كلها. والمسألة ليس انقلابا عسكريا لنظام حكم، وانما ثورة وطنية كاملة للوعي، ولارساء أحدث المفاهيم الجديدة وتهيئة الواقع الوطني من أجل اعادة تأسيس الدولة السودانية على أفضل الأسس وأحدثها في العالم، والتي تمكنها من النهوض في كافة الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها. ونحن أهل السودان مؤهلون أن نكون في مقدمة الامم لأننا نمتلك كل المقومات، ومن أهمها المورد البشري والذي تمكن من أحدث ما توصلت له الأمم خلال سنوات التشريد للكفاءات السودانية في العالم. هذه الكفاءات ستعود كلها بعد التغيير لتبنى الوطن من جديد. كما أننا نستحق أن نحتل مكاننا الطليعي المستحق وأن نكون القادة وليس التابعين الازلاء كما يحدث الآن. والتفكير الحر حق أصيل من الآن، والاحترام المتبادل لكل الآراء حق، والنقاش حول مختلف القضايا، يعتبر أهم مساهمة يجب تشجيعها والحث عليها. والأخذ بالرأي الأفضل حق للوطن على الجميع، وأي تشنج وتعصب في هذه المرحلة يجب استيعابه في اطار التشويه والانكفاء الذي ساد لمدة طويلة تم فيها حجر الرأى الآخر واحتقاره واحتقار ومحاربة كل من يقول به ويدع اليه. لكننا يجب التأكيد الدائم للشعب وخاصة في القطاعات الحية والمؤثرة، أن قيادة الحراك تتقدم بنا نحو أجواء وطنية نتطلع اليها، ويجب علينا الحرص أن تكون مختلفة، ويجب علينا أن نواصل النضال بوعى الآن، وفيما بعد إزالة النظام أن تكون صحية لاثراء كل المجالات الوطنية التي أصابها القحط والجدب من أجل أن نعيد لها الروح والفاعلية. ومن أهم مطلوبات المرحلة بجانب السعي الأكيد لازالة النظام ان يعمل الجميع على ترسيخ المفاهيم السليمة للديمقراطية، وهو ان الديمقراطية ليس نظاما للحكم فقط، وانما هى فضاء أوسع واطار أكبر لصيانة الحقوق والواجبات ولتمكين الحرية. والذي لا يمتلك سلامة وقوة الحجة وحده هو من يكون حريصا على حجر الرأى الآخر ويضيق به صدره. والذي يرتكب الجرائم ويسرق المال العام ويخرب الاقتصاد وحده هو من يسعى ويجتهد في تغييب الرأى الآخر ويعمل على زجره. كما أن الديمقراطية تقوى بكثرة الآراء وتنوعها وتنمو وتترسخ بحسن إدارتها، ولذلك مطلوب ان يتم التواثق من الان على الأسس القانونية المتينة لادارة التنوع، الي ان تترسخ المفاهيم والي ان تصبح قيم اجتماعية تسير عليها العلاقات الاجتماعية وتنشأ عليها الأجيال.
| | |