– السؤال يدور في كل الأذهان. ما التالي؟ السؤال يدور في أذهان المحتجين في الشارع، وقادة (الأجهزة)، و(أطراف) عدة داخل النظام، وعواصم إقليمية ودولية. فالأمور تتجه إلى نقطة اللا عودة، وكل الجهود فشلت في إخماد ثورة وصلت حتى بيوت (الولاة) وقادة (الحزب).
– كل شىء (يذوب) كما قطعة ثلج، ولا العنف الدموي يجدي، ولا التهديد، ولا الترغيب، ولا القتل، ولا الوعود، ولا الحديث عن حوار مع الشباب، ولا (الساتلايت) ولا (كتائب الظلام). كل شىء يتهاوى تدريجيا، و(الأجهزة) تُحار في هذا الذي يتحول لسلوك يومي وثقافة عامة حتى لدى الأطفال.
– الإعلام الجديد يضحي (بعبعا) يبتلع كل (البروباغندا) ويصبح (آلة) ضخمة تعكس كل ما يدور على الأرض، وتبوء محاولات الإعلام التقليدي (بيدهم) بفشل ذريع، لينصرف الغالبية عنه، بل ويكون عليهم لا لهم. فكل (خطاب) تتلقفه (السوشيال ميديا) بالتحليل والسخرية.
– (أطراف) عدة داخل النظام تتحرك في الاتجاهات كلها، داخليا وخارجيا، وتبعث برسائل في بريد الداخل والخارج. وموفدون يذهبون لهذه العاصمة أو تلك، وموفدون من تلك العواصم يهبطون في الخرطوم. وكل هذا من أجل الإجابة على سؤال واحد: ثم ماذا بعد. والإجابة – بين هذه الأطراف – تصبح محل مساومة. فالعلاقات الدولية ليست مجالا للعمل (الخيري)، إنما المصالح، والمصالح (المتضاربة) هي ما يجعل عواصم كثيرة تراقب بدقة متناهية ما يجري في السودان.
– والسودان ليس مجرد بلد على الخارطة، السودان هو ما لا يقل عن ٢٢٠ مليون فدان صالحة للزراعة، وما لا يقل عن ١٣٠ مليون رأس من الماشية، وثروات معدنية هائلة، و(صمغ عربي)، وموانئ، وغابات، و(عقول)، و٦٠ في المئة أو تزيد من السكان هم الشباب، وموقع استراتيجي، وإمكانات سياحية هائلة، وتاريخ، وتنوع فريد في كل شىء. هو السودان (بعيون المصالح) التي تقرأ الاستراتيجي وتعرف جيدا أنه بلد (كنز)
– والأطراف في الداخل تدرك ذلك، و(تساوم) على الفتات، ف.. النفوس إن كانت صغارا !!
– والعين على الشارع الملتهب
– وقائد (جهاز ما) يطمح في دعم (جهاز) غربي يحمله للسلطة رغم ما (علق بيديه). وأطراف أخرى تتبلغ (أمرا ما)، فت هرع للبحث عن دعم – من أجل ترتيب اليوم التالي – لدى عاصمتين، عربية وأخرى إسلامية. والعاصمتان من مصلحتهما إجراء (تغيير شكلي) في السودان، يحافظ على (العظم)، ويرمي للشارع بعض الفتات
– وفد (غربي) يهبط في الخرطوم تحت لافتة بعيدة عن أهدافه الأصلية
– يستبقه (بومبيو) بتصريح مدروس، فيما (الزعيم) لا يكتب شيئا وهو المغرم بالتغريد. ورسالة (بومبيو) تصل. تصل إلى مكان.
– وواشنطن تستيقظ – أمس – على حشود سودانية لا سابق لها. والرسالة في البريد الأميركي (مقصودة): لا نرغب في رحيل البشير وحده، بل (النظام) كله
– ورسالة (الشارع) هي الأقوى على الإطلاق. والشارع لا قوة له سوى الشارع، يفرض إرادته على الداخل والخارج معا.. إن أراد
– الشارع يؤكد للعالم كله، بسياسييه وأجهزة مخابراته وإعلامه ومؤسساته أن ما يجري حاليا هو بالفعل صوغ (تاريخ جديد). الشارع بسلميته وقوته ومقاومته و(وحدته) ووحدة أهدافه والقيم التي يبثها، الشارع الذي تتقدمه السيدات، وتتلقف رصاصاته صدور الأطباء والمهندسين والعمال والطلاب، الشارع الذي يتعذب حتى الموت (معلموه)، الشارع الذي يرفع يديه بالسلام في وجه البطش، لا يلقي بالا إلا لأمر واحد، ليس إسقاط النظام، بل (البناء)
– والبناء هي الكلمة السحرية الساحرة التي توحد السودانيين كلهم في الداخل والخارج. البناء في كل شىء، بناء وطن يعرف صغيرهم قبل كبيرهم أنه ليس بحاجة لأن يكون (يدا سفلى)، ولا محل سخرية من الآخرين
– السوداني ليس بحاجة للاغتراب. ليس بحاجة للعمل في مهن هامشية. المعلم يُدرك أنه في بلد بوسعه – إذا نهض، وهو قادر – أن يمنحه راتبا شهريا لا يقل عن ٥ آلاف دولار، تأتي من تصدير مشتقات الألبان فقط. والطالب يعرف أنه ينبغي أن يدرس في مدارس وجامعات لا تقل شأنا عن أكسفورد وييل والسوربون، من غلة مشروع الجزيرة فقط. والزراعي يعلم أن دخله السنوي ينبغي أن يكون مثل دخل مزارع في كاليفورنيا أو بوردو من ثروات الدمازين والقضارف وكسلا وسنجة والغابة وجبل مرة وأبوجبيهة، والموظف يفهم تماماً أنه ليس مضطرا للهاث بغية تعليم أبنائه في مدارس خاصة، فصادرات الذهب وحدها يمكن أن توفر لثلاثة أقطار التعليم المجاني وبجودة عالية
– الثوار عيونهم مصوّبة نحو هذا: البناء، الأمل، الحلم. لا تغيير الوجوه ولا المناصب ولا التسويات الفوقية. لذا، من يريد التفاوض مع (تجمع المهنيين) فعليه أن يتوجه من فوره لأمهات الشهداء، لموقف شندي ومكاتب التعذيب، حيث التفاوض مع المعتقلات والمعتقلين، للحاج يوسف لمن يتدفأون بالنار الآن، لبري، لعمال الميناء الجنوبي في بورتسودان، لمعسكر كلمة، للمعلمين في خشم القربة والأطباء في مدني، لمزارعي جزيرة صاي، لسائقي الركشات، للأرامل في كهوف جنوب كردفان، لضباط الجيش المعتقلين، ورجال الشرطة الذين عصوا الأوامر، للصبية في ربك وأبو حمد، لعمال المصانع، وحاصدي القطن والصمغ، للمعدنين الذين التهمت رفاقهم حفر الذهب!
– من يرغب في التفاوض عليه الذهاب والتفاوض مع (المستقبل) إن استطاع
– (هم) يطمعون في مستقبلنا، مستقبل ٤٠ مليون سودانية وسوداني
– أنا أثور من أجل مستقبل بنتيّ وابني، أبنائي على امتداد الوطن، من سواكن إلى نيالا، ومن حلفا القديمة وحلايب إلى الفشقة وباو وكوستي. هل من مساومة على هذا؟
– والشارع وحده من يعصم مستقبلنا من كل شرور (الداخل) و(الخارج)
– وحدة الشارع هي ما تقينا (الالتفاف) على الأهداف. لا نلتفت أبدا لمن يريد زرع شكوك بيننا. كلنا اليوم (واحد)
– والعالم بأسره، ومصالحه سيصغي جيدا للشارع وإرادته: (البناء) الذي لن يتحقق إلا بذهاب النظام
– وصوغ نظام جديد، يصوغه خبراء الاقتصاد في مجالهم، والتربويون يخططون لنا (تعليما نوعيا مغايرا)، الأطباء يقدمون روشتة للنهوض بالخدمات الصحية، الزراعيون يكتبون (وصفة) للنهوض بالزراعة، البيطريون يرشدون الناس لكيفية بناء قطاع حيواني رائد، المهندسون يهندسون لنا خطط المصانع والشوارع والمطارات الجديدة والكهرباء والري، الفنانون يشحذون العزم بإبداعاتهم، المصرفيون يدلون على الطريق، طريق النهوض بقطاعهم، الصحفيون يكتبون عن تصورات الإعلام والصحافة في الغد، المفكرون (يفلسفون) لنا الثورة وأهدافها، العسكريون الشرفاء يصيغون بناءا جديدا في الجيش والشرطة والأمن، القانونيون يزيلون الغشاوة عن العدالة الانتقالية الشاملة ودولة القانون، الدبلوماسيون يصيغون خطوط مصالح السودان وعلاقاته الخارجية، كلٌ في مجاله يبدع البناء الجديد.
– وحراك الشارع وحده هو ما يجعل كل ذلك ممكنا
– يجعل السلام والحرية والعدل وبناء السودان في متناول الأيدي
– الشارع هو ما يقطع الطريق على كل محاولة للالتفاف وإعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة، إنما بالإبقاء على (نخاعه) وعظمه
– كلا، لا يرغب الشارع في ذهاب وجوه والإتيان بأخرى، ولم يرتق الشهداء من أجل هدف محدود جداً كهذا
– الرغبة ببساطة هي (بناء) سودان كما الحلم، سودان قادر بثرواته الهائلة على أن يجعل كل مواطنيه يحيون بكرامة وعزة وشموخ ورفاه اقتصادي ما بعده رفاه
– هذا هو السودان الذي نريد، و(ذلك) السودان الذي يريدون، ذليلا تحت الأقدام، متسولا لقمته، (خادما) للمصالح بدلا من أن يكون سيدا فوق كل سيّد
– هذا هو سودان الثورة: سيّد نفسك مين أسيادك
– والشارع (وحده) من يحقق هذا الوطن (السيد)
– وسيكون
– بعزم بناته وبنيه
– ونحن أبناؤك في الفرح الجميل، نحن أبناؤك في الحزن النبيل