تمثل موجة المبادرات تشويشا خطيرا للمسار
الثوري، لأنها تخلط الأولويات وتعود بالناس خطوات للوراء . لقد أزعجتني مبادرة
(52) التي تكرر مطالب رفعها الثوار من اليوم الأول، ولكن يبدو أن المبادره مجرد
ضجة إعلامية أدت مهمتها! فقد نقلت القنوات الفضائية المؤتمر الصحفي ورأى المبادرون
أنفسهم أكثر من مرة على شاشات التلفزيون.
المبادرة فارغة من أي محتوى مبادر أو كاشف لما
هو غائب عن الثوار.
يجب علينا تحديد الأولويات: أولا إسقاط النظام
وتصفية كل أشكاله في الدولة والمجتمع. ثم بعد ذلك يمكن ان نتحدث عن حكومة انتقالية.
فمن العبث الحديث عن هذه الحكومة والبشير ما زال
ممسكا بالسلطة.
كان الاجدي للمجموعة ان تقترح الآليات التي يمكن
ان تسرع الإطاحة بالنظام.
وهم يعيدون عبث التجمع الوطني حين شغل الناس . بما أسماه ترتيبات
الفترة الانتقالية ، بينما النظام يمارس التمكين واحتكار السلطة والمال . وأخيرا
عاد التجمع ليدخل برلمان النظام قافزا على الفترة الانتقالية ومقررات مؤتمر أسمرا
للقضايا المصيرية .
كان من الأجدي أن يكون ال(52) في مقدمة موكب
الشباب مثلما فعل عبد المجيد إمام ورفاقه في أكتوبر 1964م وان يتقدم افراد الشباب
من ميدان “ابي جنزير” هاتفين الى القصر حتى النصر ،بدلا من المؤتمر الصحفي والحشد
الإعلامى .
ومن الغريب ان بعض أفراد المجموعة فرطوا في
انتفاضة ابريل 1985م فقد تربعوا على قمتها ولكنهم لم ينجزوا أي شعار من شعارات
الجماهير مثل الغاء قوانين سبتمبر ، والآن يتصدرون المبادرات!
الحكومة الانتقالية ليست أولوية الآن قبل أن
يسقط البشير ويكنس نظام الاخوان المسلمين .
وضمن مهرجان المبادرات قدم “المؤتمر الشعبي”
مبادرة خبيثة تسعى للتبرؤ من حكم الانقاذ . علما بأن الانقلاب نفسه من هندسة أعضاء
المؤتمر الشعبي الحاليين وهم الذين رسخوا النظام طوال السنوات العشر الأولى التي
عرفت بيوت الأشباح والتعذيب وقتل فيها د. علي فضل وأعلن خلالها الجهاد ، واستضاف
السودان بن لادن والمؤتمر العربي الشعبي ، وانفق السودان أمواله على أمثال محمد
الهاشمي الحامدي صاحب صحيفة” المستقلة ” ثم القناة بنفس الاسم . وكان راشد الغنوشي
يتجول بجواز سفر دبلوماسي أعطاه إياه الترابي وسدنته قبل المفاصلة 1999م .
لابد من محاسبة تجاوزات الفترة الاولى بدء من
علي الحاج أمين عام المؤتمر الشعبي والتحقيق مجددا في طريق الانقاذ الغربي!
لم يغادر المؤتمر الشعبي السلطة رغم اغتيال احد
منسوبيه المعلم أحمد الخير ،ثم يأتي للناس بمبادرة رغم أنه المتهم الأول في كل
جرائم الانقاذ والسبب المباشر في تمكين البشير وفرعنته .
على منتسبي المؤتمر الشعبي تقديم نقد ذاتي شجاع
وصريح والاعتذار للشعب السوداني على جرائمهم ثم بعد ذلك الوقوف مع الثورة وتقديم
المبادرات.
علينا عدم عزلهم في مرحلة إسقاط النظام لوكانوا
جادين في المشاركة في هذا النضال الشريف ثم بعد ذلك أن يرضوا بالعدالة في المحاسبة .
لا تحتاج الثورة الى مبادرات أو مواثيق جديدة
تكرر مطالب الثوار مع ادعاء المساهمة ،وتقدم الصفوف الآن وصلت الثورة مرحلة جديدة
أعلى، فقد نجحت في تعبئة الشارع واستنهاض الجماهير وحصار وعزل النظام. لذلك
المرحلة الحالية للحسم وطرق آليات التحطيم النهائي لأصنام الإنقاذ بدأ من البشير
وكل تنظيمات النظام وكنس الانتهازيين والطبالين ودعاة خذلان الشعب .
خطوات ضرورية:
- 1- يساعد النظام بسياساته في إنجاح أي عصيان أو إضراب سياسي، فقد ساهم
في توقف الحياة العامة والانتاج وتعطيل دولاب العمل لعدم وجود سيولة نقدية
،فالأجور والمرتبات لا تدفع للمستحقين من موظفين وحتى عمال حصاد المحاصيل . فعلى
الثوار إكمال الحصار وتوظيف العجز في رص الناس مع الإضراب الشامل .
- 2- رفع درجة الحراك في مناطق الصراع والتوتر وبث النشاط في مناطق مثل
الدمازين والرصيرص وكاودا والجنينة ونيالا وطوكر .
- ابتكار رسائل للمشاركة
بين الفئات التي تجاوزت سن الشباب ولا تستطيع مجاراة المشاركة في المظاهرات
والاعتصامات. وإيجاد اشكال تجمعهم معا والاستفادة من خبرتهم وتجاربهم كمعارضين
قدامى وأن يكون لهم جسم منظم .
4- إقامة كيانات للإدارة الذاتية (حكومات بديلة) في المدن التي انحسر
فيها دور أجهزة الأمن وتقديم الخدمات للمواطنين .
في الختام الثورة يجب ان تنتقل لمرحلة جديدة .
وسائل وآليات عملية لإسقاط النظام وتطبيق عملي لشعار “تسقط بس” وتحويله من هتاف
الى عمل يومي إبداعي كفاحي يظهر كل يوم تآكل النظام وأجهزته وإفقاده القدرة على
الهجوم وان يتعرض باستمرار للضربات حتى تكون الضربة القاضية والأخيرة، وهذا يعني
ان لا يكون النظام مرتاحا ومسترخيا ليفكر في الهجوم على الجماهير . وأن يستمر
مرتبكا وفزعا ومترددا، وهنا فلتكن كل المبادرات المتخاذلة والانتهازية اللاهثه
للحاق بالثورة بل تقدم صفوفها في ساعات الحسم والانتصار .
المجد للشباب الصامد من الجنسين وليجلس الجميع
للتعلم منهم بتواضع، نتعلم منهم قيم التضحية وإنكار الذات والصمود.