في اللحظة التي بدأ فيها النظام المفاوضات الجادة مع اميركا لإزالة اسمه من قوائم الدول الراعية للارهاب ، انفجر الشعب في الطرقات ينادي بالرحيل ، و كما هي عادة السفاح أطلق ارتال امنه مدججة بالسلاح و الزخيرة فحصدت عشرات الأرواح و مئات الجرحى و آلاف المعتقلين من الأبرياء الذين خرجوا بسلمية يمارسون حقا دستوريا ، فكان أن هددت أميركا بوضوح بان العنف سيعيق جهود التفاوض معها .
لقد ظن النظام ان هذه الثورة أيام و تنتهي ، لهذا توعد الثوار بالكتائب تارة ثم بقطع الرؤوس تارة أخرى، و لكن الشعب وصل مرحلة ما عاد يجدي فيها السكوت في ظل وضع اقتصادي انهارت معه كل القدرات الشرائية للموظفين و اختفت معه الطبقة الوسطى و تمدد الفقر حتى شمل أكثر من ٩٠ % من الشعب السوداني ، و ما ال ١٠% فوق خط الفقر الا سدنة النظام و المرابين و الانتهازيين الذين يضاربون بالنقد تحت حماية النافذين في الامن و الدولة فيضربون الوطن في مقتل .
هرع البشير إلى دول الاقليم يبحث عن العون ، فاوصدت الابواب في وجهه ، فما قدمته دول الاقليم في الماضي القريب كان كفيلا بأن لا يجعل في البلاد أزمة اقتصادية ، و لكنه الفساد المتضخم و الشمولية التي تجنب قرابة ال ٣٠% من دخل الوطن بدل ان تذهب الى الفقراء و الصحة و التعليم تذهب الى الجيوب المكتنزة و ( الكروش ) المتضخمة فيتضخم معها التضخم و يغرق الوطن في عمق لا مخرج منه .
ثم هرع البشير إلى الولايات يحدثهم عن انه رجل بسيط من عامة الناس عاش فقيرا و كد و عاني ، فلم تسعفه الولايات الا بحشود الموظفين المغلوبين على امرهم و البسطاء المضحوك عليهم ، و حين رجع إلى الخرطوم وجد الأطباء و أساتذة الجامعات و الإعلاميين و المهندسين و المحاميين و طلاب الجامعات في الشوارع يطلبون منه بسلمية مهيبة و بشموخ و كبرياء ان يرحل ، فعلم ان الضحك على البسطاء لا يجدي مع النخب .
ثم هرع الى الجيش يحدثهم عن المخربين و عن استعداده لتسليم السلطة للكاكي فقط ، فلم يجد الا مساندة من رأس الهرم في الجيش ، و هل كانت استجابة رأس الهرم في الجيش عاصمة لنميري من قبل !! لقد ساندته ثم بعد أيام قليلة أطاحت به ، و في التاريخ عظات لمن يعتبر .
لقد صبر الشعب على البشير ٣٠ عاما كاطول فترة رئيس سوداني يحكم ، و صبر السياسيون على نقضه لكل العهود و الاتفاقيات معهم منذ اتفاقية جيبوتي مرورا باتفاقية السلام الشامل ثم اتفاقية القاهرة ثم اتفاقيات دارفور في الدوحة و اخيرا الحوار الوطني ، لقد اعطاه الشعب الفرصة كاملة ، و مضت معه الأحزاب السياسية كل الدروب التي لو صدق فيها معهم لوصلت البلاد إلى بر الأمان، و لكنه عم و صم حتى جاءه الخبر اليقين و انفجر الشعب و السياسيين و لم يبق معه الا قلة لا تملك حلولا و لا حول و لا قوة .
ما عاد في يد البشير حل آخر او صف آخر يدعمه لا داخليا و لا خارجيا، لم يعد أمامه الا ان يسلم السلطة و يذهب في رحلة بلا عودة إلى دولة منفي يقضي فيها بقية عمره كما يفعل التونسي بن علي ، و اذا رغب عن ذلك فليتذكر خاتمة القذافي .