بسم الله القائل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ) صدق الله
العظيم .
جماهير شعبنا الكريم
..
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركاته ..
أخاطبكم اليوم وبلادنا تجتاز مرحلة صعبة ومعقدة في
تاريخها الوطني ، وبمثلما ظل شعبنا صامداً في وجه الأيام كلما قابلته الظروف
وأحاطت به التحديات سنخرج انشاء الله من هذه المرحلة أقوى شكيمة ، وأكثر وحدةً ،
وأكبر إصراراً على استكمال بناء أمتنا المستقرة والناهضة والمتطلعة إلى المستقبل ،
وتظل التحديات والإبتلاءات أقداراً مسطرة في حياة البشر لم يسلم منها حتى الأنبياء
والرسل ، وخاضت غمارها كل الأمم والشعوب
.
لقد كانت أحداث الأيام الماضية إختباراً عظيماً لنا
كأمة وشعب ، وخرجنا منها بعبر ودروس .. ستكون رصيداً لحكمتنا الوطنية الممتدة ..
نستدعيها ساعة الحاجة وعند إشتداد الأزمات
.
لقد شهدت بعض أجزاء البلاد إحتجاجات خرجت بمطالب
مشروعة في البداية وهي السعي نحو الحياة الكريمة ومعالجة الأوضاع الإقتصادية
الصعبة ، وتلك مطالب موضوعية كفل الدستور والقانون حق التعبير عنها إلتزاماً لجانب
السلمية والمحافظة على النظام العام والممتلكات ، ولقد ظللنا طوال مسيرتنا في
الحكم نعمل على تنقية الحياة السياسية من الشوائب وتوسيع مساحة الحريات العامة
تمكيناً للأحزاب والأفراد من ممارسة حقوقهم والسعي لتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم ،
لذلك لم يكن مرفوضاً عندنا أن تخرج فئة من الشعب تطالب بترقية الأوضاع العامة
ومعالجة جوانب الخلل في الأداء الحكومي ، ولكن ما كان غير مقبولاً ومقلقاً هو
محاولة البعض القفز في الصف الأول لتلك الإحتجاجات .. والعمل على إستغلالها .. لتحقيق
أجندة تتبنى خيارات صفرية ومجهولة تقود البلاد إلى مصير مجهول .. والأكثر إثارة
للقلق هو بث سموم الكراهية والإقصاء بين أبناء الوطن .. والأكثر إيلاماً هو
إحتسابنا وفقدنا فيها لنفر عزيز من أبناء الوطن رحمهم الله وتقبلهم أجمعين .
الآن وبعد ما أنجلى ذلك الموقف نقول أننا تابعنا تلك
الإحتجاجات متابعة دقيقة وعكفنا على تحليل أسبابها ، ومن واقع مسئوليتنا الدستورية
أقول أننا لن نيأس من دعوة الرافضين للحوار والسلام للعودة والجلوس تحت سقف الوطن
ومائدته الكبرى بما يجنب بلادنا ويلات النزاع وسوءات الكراهية المقيتة .
ولكن قبل ذلك سيظل إنحيازنا لشريحة الشباب إنحيازاً
صادقاً وأميناً لقناعتنا بأنهم يمثلون جُل الحاضر وكل المستقبل ، ونتفهم مطالبهم
الموضوعية وأحلامهم وطموحاتهم المشروعة ، لأننا نريدهم أن يظلوا أبداً أيادٍ لبناء
وطنهم وتشييد نهضته فالثقة فيهم وافرة والرجاء فيهم مأمول والفرصة لهم للقيادة
والبناء قائمة ، فكل المشروعات الكبرى التي قامت في عهد الإنقاذ من طرق وجسور
وجامعات والتصنيع الحربي والمدني والسدود وشبكات الكهرباء والمياة .. إنما قامت
بأفكار وطاقات الشباب السوداني الخُلص ، وأننا نثق أن أيادٍ شادت هذه الصروح لن تكون
معولاً في هدمها وتخريبها بإذن الله .
ونحن اليوم أكثر قناعة من أي وقتٍ مضى بفتح الباب
مشرعاً أمام الأجيال الجديدة لتقدم مساهمتها في سفر الوطن برؤيتها الواعية
وتجاربها المتنوعة ، ومن الأفضل للوطن وقواه السياسية أن يكون ذلك بالتدافع الحسن
والحوار البناء بين الأجيال المختلفة ، وهذا ما سنعكف عليه في الأيام القادمة وفق
الرؤية التالية:-
لقد
ظل هدف تحقيق الإستقرار السياسي القائم على التراضي والتوافق الوطني هدفاً
إستراتيجياً .. سعينا لتحقيقه منذ فجر تولينا لمسئولية إدارة البلاد .. بإعتبار أن
الإستقرار السياسي هو المدخل الحتمي والضروري لتحقيق الإستقرار الأمني والنمو
الإقتصادي .
وفي
سبيل ذلك إتخذنا منهاج الحوار طريقاً لبلوغ تلك الغاية النبيلة ، فكانت مؤتمرات
الحوار الوطني حول قضايا السلام .. الإقتصاد .. النظام السياسي .. وغيرها من
القضايا .. فكان جمع الشمل الوطني وبناء المشتركات الوطنية حاضرة وبقوة في جدول
أعمالنا .
وشكلت
مخرجات تلك المؤتمرات التي شارك فيها طيف واسع من أبناء وبنات الوطن زاداً معرفياً
ثراً لمسيرتنا .. ولم نتوان في تطبيق مخرجاتها دون أن نتبضع بها في موائد التفاوض
، فنظام الحكم اللامركزي كانسب نظام لحكم البلاد وإدارة التنوع والتعدد الثقافي
والإجتماعي والإقتصادي .. مضينا فيه بكل عزم .. وكذا الحال في النظام السياسي
للبلاد فقد رعينا تجربته في التطور في مختلف المراحل حتى بلغ مرحلته الحالية وغير
ذلك من القضايا الكلية .
وعلى
الجانب الآخر لم ندعي أن تلك المخرجات هي الحق المُطلق فسعينا بها زاداً معرفياً
للتواصل والتحاور مع حملة السلاح وقتئذ .. ولم ندع باباً للسلام إلا وطرقناه ..
ولا مساراً يُشار إلى انه يقود للسلام وإنهاء الحرب إلا سلكناه .. فكانت إتفاقيات
السلام الشامل .. الشرق .. ابوجا .. الدوحة والقاهرة وتوجنا كل ذلك بحوار وطني
شامل إستمر قُرابة الثلاثة أعوام فأنتج الوثيقة الوطنية
.
ننظر
لكل ذلك الإرث بوصفة إرثاً وطنياً ومعرفياً قادراً على تقديم الإجابات على الأسئلة
الوطنية الحرجة التي ظلت معلقة في سماوات الوطن منذ الإستقلال ؟ وشكل عدم وجود
إجابات متوافق عليها مصدراً وسبباً لحالات الإحتراب الداخلي والتأزم السياسي ..
وهي أسئلة كيف يُحكم السودان ؟ ما هو نظامه السياسي ؟ الإقتصادي ؟ الهوية؟ وغيرها
من الأسئلة الوطنية .
ذلك
الرصيد المعرفي الوطني بكل مشتملاته ووثائقه يُشكل أساساً صالحاً للبناء عليه ،
فهو ليس سقفاً يحد من التعاطي مع الأفكار والمبادرات الجديدة ولكنه بناءً يُشكل
قاعدة صلبة للانطلاق منها .
الدروس المستفادة من خلال تجربتنا الوطنية تُشير إلى
الآتي:-
أنه لا بديل من الحوار إلا الحوار .
في قضية الوطن الُكل فيها كاسب .. فلا منتصر ولا مهزوم .
الخيارات الصفرية والعدمية لن تحل مشكلة البلاد ..
نحتاج جميعاً أن نتحرك للأمام من أجل الوطن ، فلنمضي للبناء على ما هو متوافق عليه
ونتحاور حول ما هو مختلف عليه .. لن يتطور السودان بمنهج مقارباتنا السابقة بإيقاف
السيرورة والعودة للمربع الأول ومن ثم محاولة التقدم ثم التقهقر مرة أخرى إلى
النقطة صفر .. هذه عملية دائرية لا تبني وطناً
.
بني وطني ..
والحال كذلك فإنني ومن واقع مسئوليتي الدستورية والأخلاقية عن كل الشعب السوداني
الموالين منه والمعارضين وحملة السلاح .. ادعوكم جميعاً وبلا إستثناء إلى التحرك
إلى الأمام من أجل الوطن .. وأرفع النداء عالياً من منصة قومية لشبابنا في كل
الساحات ولشيوخنا الأجلاء .. ولنسائنا الماجدات .. بل ولكل قطاعات الشعب السوداني
الكريم في الداخل والخارج بأن الوطن في أشد الحاجة إلى توحدكم وتآزركم وإلى
طاقاتكم الإيجابية وأفكاركم البناءة – لكل ذلك أدعوكم بمقاربة متجددة وعلى مسار
يفضي إلى توافق وطني يحفظ الوطن وينظم ويطور الحياة السياسية والإجتماعية
والإقتصادية فيه .. هذا المسار وتلك المقاربة تتأسس على الآتي:-
المطروح الآن من جانبي هو مسار وإطار جامع للحل وليس
الحل بعينه .. فالحلول أمر يجب أن نتشارك جميعاً في إنجازها
.
ما يجب أن يقودنا إليه مسار الحل الوطني المتوافق
والمتراضي عليه حتماً ليس هو الخيارات الصفرية ولغة الإقصاء بصرف النظر جاءت من
موالٍ أو معارض .. كلا .. بل هو حلُ يحفظ ويصون وحدة البلاد وأمنها وإستقرارها ..
ويرسم مساراً آمناً لمستقبلها دون إقصاء أو عزل لأحد ويجنب بلادنا مصائر شعوبٍ
ليست مننا ببعيدة كانت دولها يوماً حلما ومقصداً لعدد غير يسير من طالبي ظروف حياة
أفضل من أبناء شعبنا الكرام .
عليه وتأسيساً على ما تقدم وتهيئة للمسار الوطني
الجديد فإني أعلن الآتي:-
التأكيد مجدداً على أن تكون وثيقة الحوار الوطني التي
أنجزتها القوى السياسية والمجتمعية وأودعت فيها جماع إتفاقنا الوطني والتي قطعنا
شوطاً كبيراً في تنفيذها أساساً متيناً في استكمال لم شمل القوى السياسية الوطنية
في الداخل والخارج وسيتسع صدرنا وأسماعنا لأي مقترحات جديدة تساهم في بناء وطننا
العزيز .. قناعة منا بأن الحوار هو الوسيلة الأولى والأخيرة لإستكمال بناء وطن يسع
الجميع .
أدعو البرلمان إلى تأجيل النظر في التعديلات الدستورية
المطروحة عليه فتحاً للأبواب أمام إثراء الحياة السياسية بالحوار البناء
والمبادرات الوطنية الخالصة .
أجدد العهد بأن أقف من منصة قومية (رئاسة الجمهورية)
لرعاية هذه العملية لأكون على مسافة واحدة من الجميع ، موالين ومعارضين زادي في
ذلك العدل والشفافية وسعة الصدر لشمول كل الوطن
.
أخصص الدعوة الصادقة لقوى المعارضة التي لا تزال خارج
مسار الوفاق الوطني ووثيقته للتحرك للأمام والإنخراط في التشاور حول قضايا الراهن
والمستقبل عبر آلية حوار يتفق عليها .
أدعو حملة السلاح لتسريع خطى التفاوض من أجل وقف الحرب
وتحقيق السلام لتكون جزءاً من ترتيبات بناء الوطن ومستقبله
.
أدعو جميع من ذكرت آنفاً من قوى سياسية ومجتمعية
وحركات مسلحة لاستيعاب المتغير الجديد في المشهد السياسي والإجتماعي (الشباب) وذلك
من خلال أطروحاتهم وتنظيماتهم ومن خلال آليات جديدة يتفق عليها معهم للإستماع لهم
ولإشراكهم في البناء الوطني بالآليات المناسبة .. فأغلبهم ليس جزءاً من التنظيمات
والقوى السياسية الموجودة بالساحة الآن .
أدعو الجميع للنظر وضمن هذه العملية لدور القوات
المسلحة في المشهد الوطني كحامية وضامنة للإستقرار ويطور الحوار تفاصيل ذلك .
أوجه دبلوماسيتنا لتعزيز الإرتباط الإيجابي البناء مع
المجتمع الإقليمي والقاري والدولي ليكون شريكاً مساهماً بإيجابية في عملية التحول
الوطني هذه .
وحيث أن صدى التحدي الإقتصادي يطرق بعنف على كل أبواب
منازل الشعب السوداني فإن تدابير إقتصادية محكمة ينبغي أن تتخذ بحكومة مهام جديدة
.. سأكلف بها فريق عمل تنفيذي من كفاءات وطنية مقتدرة لإنجازها إلى حين إستكمال
العملية الحوارية لوقتها الضروري .
واستعداداً لترتيب المشهد السياسي الوطني بما يحقق
الإجماع والوفاق وتنفيذ الإستحقاقات اللازمة لذلك من تحقيق لطموحات شعبنا وأحلامه
في النهضة والبناء والرفاهية فإنني أعلن الآتي:-
فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة عام واحد .
حل حكومة الوفاق الوطني
.
حل الحكومات الولائية
.
وسنوالي تباعاً إتخاذ التدابير والإجراءات والقرارات
اللازمة لتنفيذ كل ما ذكرنا .
المواطنون الشرفاء
..
إن
بلادنا التي سالت من أجل صون كرامتها وإستقرارها دماء الشهداء الطاهرة في كل الحقب
والعهود لن تنتكس أبداً لمربع الفوضى والعنف والإقصاء ، وستظل حكمتها المركوزة في
صدور ابنائها وبناتها عاصماً لها من التشرزم والتمزق والضياع ، وأن التسامح
الموجود فطرة في نفوس أبنائها وبناتها سيبقى نبراساً لها في الليالي الحالكات
والأوقات العصيبات .. وأني على يقين أننا سنضيف مثالاً باهراً يحتذى .
رحم
الله من فقدناهم في الأحداث والتعازي لأسرهم المكلومة وللوطن أجمع وفي إنتظار
نتائج تحقيقات النيابة العامة ولجان التحقيق الأخرى وتوصياتها .. وأتعهد أن يكون
العدل والقانون هما الفيصل .
حفظ الله بلادنا ووحد صفنا وهدانا جميعاً إلى الصراط
المستقيم ،،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،،،