بتحليل أقرب إلى الواقع أن خطاب الرئيس سبقه لغط كبير بين قيادات المؤتمر الوطني بين من يتمنون ترجل الرئيس وبين يريدونه ممسكا بزمام الأمور لحماية مصالحهم لأطول فترة زمنية ممكنة حتى يرتبوا أوضاعهم بعد أن فاجئتهم الثورة في الشارع وإصرارها على الإستمرار .
وحسب مايتردد من معلومات فإن الرئيس يعاني من هاجسين داخلي ويخشى فيه من غدر معاونيه المتربصين به وخارجي ويخشى فيه من المحكمة الجنائية الدولية وتقديمه من قبل أنصاره قربانا لاستمرارهم في الحياة السياسية على نحو ما فضلا عن مآلات واحتمالات ماتفضي إليه هذه الثورة التي لم يعهدوا مثلها من قبل .
والدليل على أنه وصل إلى قناعة داخلية بأن عهده قد انتهى بوصوله إلى آخر المحطات أنه ضحى برفيقه طوال عمر الإنقاذ بسبب الصراعات الخفية في بؤر الإسلاميين وأتى بإبن عوف نائبا له وهو صاحب ولاء له وعين عسكريين موالين له حكاما للولايات ليضمن أنه في حال انهارت سلطته سيكون محميا ممن يثق في ولاءهم ممن يرى أنهم قد يستهدفونه من أعوانه وغرمائه الاسلاميين فضلا عن المعارضين من غير المتسامحين معه .
وأنه أتى بمحمد طاهر إيلا وهو صاحب ولاء قديم له ويثق في قدراته لاسيما في مواجهة صقور المؤتمر الوطني .خطاب الرئيس لم يأتي بجديد لأنه كما أجمع الكثيرون لم يخاطب الأزمة الحقيقية التي تمر بها البلاد ولم يخاطب تطلعات الشعب السوداني ومطالب الثوار بل أنه كان موجها للصراعات والمتصارعين داخل المؤتمر الوطني بشكل اساسي .
غير أن الوضع الذي خلقه البشير بعسكرة الحكم قد خلق وضعا محرجا للمؤتمر الوطني حيث جرد البشير بهذه القرارات معظم الطاقم القيادي في الحزب والحكومة من المناوئين له سرا وعلانية ووضعهم تحت رقابة أمنية بعد تفويض صلاحياته للأجهزة الأمنية وفق قانون الطواريء .رغم أن إعلان حالة الطواريء وانزال الجيش إلى الشارع يحمل بدوره دلالات أخرى أهمها ظنه تخويف المتظاهرين والحد من وتيرة المظاهرات وهذا احتمال ضعيف وثانيها أن يكون الجيش قريبا من تناول السلطة والإمساك بزمام الأمور دون انقلاب تقليدي فقط مجرد إعلان بيان من الإذاعة والتلفزيون الرسمي في حال اشتد عليه الخناق وذلك لتواجد الجيش المسبق في كافة المواقع الإستراتيجية في الدولة في العاصمة والولايات وبالتالي سيكون البشير في حماية الجيش مالم تحدث مفاجآت من الجيش نفسه .
أما عن المواقف الإقليمية والدولية إقليميا ينظر الجميع بترقب إلى ماقد يحدث أما عربيا وأفريقيا فليسوا هم بحريصين على بقاء البشير وغير متحمسين أيضا لذهابه لتحسبهم لتوجهات النظام الذي الذي سيخلفه .
دوليا ليس السودان محل اهتمام كبير قياسا على مايحدث في فنزويلا على سبيل المثال رغم عدم تحمسهم في بقاء البشير ورغبتهم في نفس الوقت في بقاءه في السلطة إلى حين للإستفادة من خدماته غير المكلفة وابقاء الأمن الإقليمي بعيدا عن انفجارات محتمله قد تسببها الأوضاع في السودان حسب تقديراتهم .
ويبقى التعويل على قوى الضغط ومنظمات المجتمع المدني في الغرب المناصرة لقضايا الحريات وحقوق الإنسان وعلى نشاط القوى المجتمعية السودانية وقدراتها في تلك البلدان على التأثير على صناع القرار فيها .
وأي كانت التحليلات فإن الأوضاع في السودان تسير بخطى سريعة نحو نهاياتها وأن العامل الحاسم والعنصر الأقوى سيظل في الشارع السوداني وفعالية القوى المعارضة من أحزاب ومهنيين ومعارضين مستقلين ومنظمات مدنية وإعلام جديد وهم صاحب القول الفصل كما يبقى أيضا في القوات المسلحة لكن على غير ما يتمناه الرئيس وكبار الضباط الذين استخلفهم على حكمه مهرا لحمايته التي باتت تشكل هاجسه الأول .