تعيد احتجاجات السودان والجزائر التذكير بموجة “الربيع العربي”، وتدفع بآمال كثيرة بإمكانية تكرار تجربة إطاحة رموز السلطوية والاستبداد في كلا البلدين، على غرار ما حدث قبل أعوام في تونس ومصر وليبيا واليمن. وتبدو عفوية الاحتجاجات، وعدم وجود قيادة مركزية لها، في البلدين، شبيهة بالتي حدثت في الحالات الأخرى، وهو ما يصعّب من فرص إجهاضها أو وقفها.
أما الجدير بالنظر في الحالين فهو الاختلاف الواضح بين الجزائر والسودان في المقدمات، وتشابههما في النتائج، وهي حالة الاحتجاج الراهنة. وتكشف مقارنة سريعة بين البلدين ما يلي: أولاً، على الرغم من طول فترة بقاء الرئيسين السوداني عمر البشير، والجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في السلطة (30 و20 عاماً على التوالي)، إلا أن الأول ظل يحكم بدون أي نوع من الشرعية سواء الإجرائية (الانتخابية) حيث لم تجر انتخابات في السودان منذ انقلاب 1989 وحتى عام 2010، أو الحقيقية (شرعية الإنجاز)، حيث فشل فشلاً ذريعاً في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية. بينما تمتع بوتفليقة بالشرعيتين، الانتخابية حيث جرى انتخابه أربع مرات متتالية عشرين عاماً، والحقيقية، فقد حقق بعض الإنجازات السياسية (الانفتاح السياسي ودمج الأحزاب المختلفة) والمجتمعية (المصالحة الوطنية).
ثانياً، من حيث الشراكة في الحكم، على الرغم من مشاركة النظام السوداني السلطة فترة مع حلفائه الإسلاميين، إلا أنه انقلب على زعيمهم حسن الترابي أواخر التسعينيات، وأقصاه وسجنه. كذلك عقد بوتفليقة تحالفات وشراكة مع بعض الأحزاب والحركات الأخرى، مثل حركة مجتمع السلم (حمس) المحسوبة على الإخوان المسلمين، والتجمع الوطني الديمقراطي. وتم فض التحالف مع “حمس” قبل أعوام، على خلفية ترشح بوتفليقة للعهدة الرابعة، وعلى الرغم من ذلك، لم تتعرض الحركة للقمع أو الإقصاء من النظام.
ثالثاً، فيما يخص حالة الاستقرار والسلم الأهلي والمجتمعي، فشل النظام السوداني في الحفاظ على وحدة بلاده، وعلى السلام داخل أراضيه، بل تعرّضت البلاد لحروب أهلية في الجنوب حتى انفصل، وانقسمت البلاد إلى نصفين. كما اشتعلت حرب أهلية في الغرب، في إقليم دارفور، وفي الوسط، إقليم كردفان، ولا تزال المشكلتان قائمتين. في حين نجح النظام الجزائري في الحفاظ على البلاد، خصوصا بعد العشرية السوداء التي كادت تعصف به، واستطاع بوتفليقة تحقيق قدر معتبر من الاستقرار السياسي والهدوء المجتمعي عقدين.
على الرغم من أوجه الاختلاف بين البلدين، إلا أنهما يشهدان الآن حالةً من الحراك المجتمعي الرافض للنظام، ويطالبون بالتغيير. وهو ما يثير تساؤلاتٍ بشأن تفسير هذه المسألة، وفهم دلالاتها. ولعل أهم الدلالات التي تفصح عنها حال البلدين مسألة في غاية الأهمية، وهي تداول السلطة. فمن الواضح أن الجزائريين، خصوصا الجيل الشاب منهم، قد ملّوا من وجود شخص واحد، وإن كانت له إنجازات سياسية ومجتمعية، كما هي الحال مع بوتفليقة، في السلطة، فالتغيير بات مطلوباً، ولربما لو من داخل النظام نفسه. وهي الحال نفسها التي تنطبق على السودانيين الذين فاض بهم الكيل من بقاء البشير على صدورهم طوال العقود الثلاثة الماضية.
الدلالة الثانية أن معظم المشاركين في الاحتجاجات هم من جيل الشباب الذي تربّى وترعرع في ظل حكم البشير وبوتفليقة، ولم يروا غيرهما حاكميْن. وهو جيلٌ يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، وربما التمرّد، على سكون الأنظمة. ويستخدم أدوات جديدة وذكية في الاحتجاج، يصعب على الأنظمة وقفها، إلا من خلال الدخول في مواجهة عنيفة معهم. أما الدلالة الثالثة فهي التمسّك بالسلمية، على الأقل حتى الآن، في الاحتجاج في البلدين. ويبدو أن ثمّة دروسا قد تعلمها الشعبان مما حدث في الموجة الأولى للربيع العربي الذي انقلب خريفاً على البلاد التي شهدته، وحوّل أحلام التغيير إلى كوابيس حيّة يعيشها المواطن يومياً.
العربي الجديد