ان العلاقة بين مبادرة الاصلاح السياسي وفرض حالة الطوارئ علاقة عكسية، الاصلاح يجب ان يكون نحو الافضل وليس الاسوأ، وان يكون خطوة نحو الديمقراطية وليست العسكرية والشمولية. في ظل الاوضاع الراهنة وفي احسن الفرضيات وان جنحت الاطراف نحو الحوار لن تقبل اي مبادرة من جهة رسمية دون وسيط او ضمانات دولية مقبولة لدى الأطراف بسبب انعدام الثقة وفي ظل حالة الطوارئ (حالة الإكراه السياسي). وبين هذا وذاك الاوضاع السودانية قابلة لأي تطورات جديدة باحتمال دخول متغيرات محلية أو إقليمية أو دولية اذا لم تتوحد قوى المعارضة وتتقدم في خطواتها لحسم الموقف.
1) المبادرة الرسمية للإصلاح السياسي التي تقدم بها الرئيس السوداني بضغط من الشارع السوداني الأسبوع الماضي والمتضمنة مبادرة للحوار السياسي وفرض حالة الطوارئ لمدة عام. هل هي مبادرة اصلاح سياسي حقيقي ام تكتيك سياسي للخروج من الازمة؟
قبل الخوض في المبادرة السياسية يمكن وصفها بأنها لن تحقق أهدافها ولن تستمل أي طرف من الأطراف المعارضة بالشكل الذي طرحت به لأنها ناقصة ومبهمة، كما انها تحمل العديد من التساؤلات والاستفهامات واعتبرت خطوة الي الخلف والتراجع وفسرها البعض بأنها محاولة لكسب الوقت والخداع والمكر السياسي المبطن بالعديد من الشرور والأخطاء والسلبيات والانتهاكات. بالإضافة الى أنها لم تحتوي على تدابير اصلاح جوهري، وخالية من وجود وسيط موثوق به لدى الاطراف، وليست بها أي ضمانات للحوار وغير واضحة المعالم. لذلك جاء رد الفعل الرافض للمبادرة من قبل العديد من الأطراف، والتي من أهمها تحالف اعلان الحرية والتغيير ونداء السودان وقوى الاجماع الوطني، وأطراف دولية كممثل بريطانيا بمجلس الامن الدولي. وصف “حزب الأمة القومي” و”حركة العدل والمساواة” أن إعلان الرئيس السوداني، عمر البشير، حالة الطوارئ في البلاد “محاولة بائسة لإخماد الثورة”، معتبرين خطابه مخيبا للآمال.
2) فيما يتعلق (بحالة الطوارئ)، إن تسليط سيف الطوارئ على الشعب وتعليق الضمانات الدستورية والقانونية لتتمكن القوات المسلحة والشرطة كن ممارسة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان حتما، سينتج عنه آثار سالبة تعمل على تعقيد الأزمة وتحول دون التحول السياسي في السودان والذي سوف يؤثر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية (الجامعات والمدارس) وغيرها.
التعقيدات التي تواجه المبادرة هي فقدان الثقة وغياب الحريات وانتهاكات حقوق الانسان واتساع الشقة بين الاطراف. كيف يمكن الدعوة لحوار سياسي بالإكراه بموجب قانون الطوارئ ؟ رغم ضرورة الخطوة إلا انها غير كافية لذا قوبلت بخيبة أمل من الشارع السياسي لارتفاع سقف التوقعات قبل الاعلان عنها وانتظار الخطاب الذي تأخر عن موعده المعلن، والذي كان من المتوقع ان يؤسس لأوضاع جديدة قد تكون مقبولة لدى البعض اذا ما احتوت على تنازلات حقيقية تفضي الى تغيرات سياسية. في ظل الظروف الحالية يصعب الاستجابة لهذه المبادرة في مناخ الطوارئ وعدم الشفافية.
3) اذا اراد النظام إصلاح حقيقي يجنب البلاد المخاطر ، فإن التجارب السودانية السابقة (عبود ونميري) تختلف من تجربة الانقاذ، لذلك مطلوب من النظام اصدار مزيدا من القرارات والتدابير الواضحة المعالم بشرط رفع حالة الطوارئ كمرحلة أولى قبل الحوار : حل البرلمان، وتجميد بعض قوانين الامن الوطني ، حل مؤسسات المؤتمر الوطني وهي معروفة ابتداء بالدفاع الشعبي مروراً بالاتحادات الشبابية والطلابية وغيرها، وتحديد خطوات وترتيبات تسليم السلطة للمرحلة الانتقالية، واقتراح وسيط وضمانات دولية (الاتحاد الاوربي ودول الترويكا وغيرها لدى الاطراف المهتمة بالشأن السوداني) لمخرجات الحوار. اذا تمت هذه الخطوة ستشجع المعارضة وستستميلها للحوار والتفاوض حول التفاصيل وبقية الاجندة. اما المبادرة بشكلها المطروح وفي ظل حالة الطوارئ لن تحقق حلا للازمة وإذا استمرت الأوضاع بشكلها الحالي قد تدخل متغيرات جديدة تقود الى تشكيل تحالفات بعض الاسلاميين بعد انسحاب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني والانتقال الي الانقاذ(2) او الانتقال الي حكم نظام عسكري شمولي بدعم بعض الاطراف الدولية وغيرها من الاحتمالات والسيناريوهات.
لذا مطلوب من المعارضة الوحدة وبناء الثقة فيما بينها والاستمرار في دعم حراك الشارع لتغيير موازين القوى السياسية في إتجاه التحول الديمقراطي المطلوب.