وقمت أنت ومعك بعض رفقاء السلاح بانقلاب عسكري مشئوم
علي ظهر دبابة ومصفحة، ضد نظام حكم مدني ديمقراطي لم يستمر طويلاً.
وعينت وفرضت نفسك عنوة رئيساً للدولة وقائدا أعلى للقوات
المسلحة، ولم يكن الشعب السوداني في حاجة إليك، ولم يفوضك لتقوم بانقلاب عسكري،
ولم تكن هناك حاجة إلى تغيير نظام الحكم المدني الديمقراطي.
وظللت تتقافز يميناً
ويساراً تعقد الاتفاقيات والتحالفات التي تضمن استمرارك في الحكم، لا تلك التي
تحقق مصلحة الوطن، الذي أدخلته في دوامة حرب لا تذر، رافعاً شعار الجهاد، وخدرتم
الشباب برائحة الجنة، حتى حصدت آلة الحرب خيرة شبابنا، ووجهتم كل مواردنا للحرب
المقدسة، ثم دفعتم إخواننا في الجنوب دفعاً ليختاروا خيار الانفصال، بما فعلت
أيديكم.
ولم ينج من غدركم أبناء
دافور، الذين يمارس عليهم العنصرية، وقتل كثيرين منهم فقط لأنهم يطلبون العدل
والحياة الكريمة.
وأصبح السودان بفضل
جرائم نظامكم في قائمة الإرهاب، ويواجه الحصار الاقتصادي، وهذا ما يقعد بالبلاد عن
تحقيق أي تطور، فانهارت بنيته التحتية، وتهات مشروعاته العامة والخاصة، وأصبحت دول
فاشلة بجدارة.
وللأسف الشديد أخذتم وطبقتم أسوأ ما عند الآخرين من
طرق ووسائل وأدوات ومعدات لقمع وتعذيب المواطنين، وأنشأتم بيوت الاشباح،
والمعتقلات السرية، وكونتم لجاناً، وأغريتم الشباب بكل الوسائل للانضمام للجان
القتل. وأفتريتم علي الله كذباً وتاجرتم بالدين وباسم الدين، وشوهتم صورة الاسلام
والمسلمين، فالدين الاسلامي دين سمح، وهو دين السلام، ودبن العدل، والله سبحانه
وتعالي حرم الظلم على نفسه، وحرمه بين البشر. وحرم الله قتل الناس الا بالحق وقال
في محكم تنزيله: مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة: 32).
اذا نظرنا الي فترة حكمك الطويلة والحالكة
السواد لا نجد أية انجازات، فهناك إخفاقات في كل شيء، وفشل ذريع في نظام الحكم وإدارة
دفة الحكم، وفشل في إدارة الموارد البشرية والموارد الطبيعية، وتوقفت المشروعات الإنتاجية،
منها: الزراعية مثل مشروع الجزيرة الذي كان يعدّ أكبر مشروع زراعي تحت ادارة واحدة
في أفريقيا والعالم، وتوقفت المشرعات الصناعية والخدمية، وتم نهب مناجم الذهب، وتم
تهريبه للخارج بعلمكم، وبعلم ومشاركة من معكم، ويتم تهريب الثروة الحيوانية للخارج،
والسودان أكبر منتج للصمغ العربي، وصارت دولة أخرى أكبر مصدر له، وانهار وتدهور
الاقتصاد السوداني وانزلق وتدحرج، وسقطت في الهاوية العملة السودانية وصارت لا
قيمة لها، وانعدمت السيولة النقدية قي البنوك، وتوقفت البيوتات المالية وصناديق الإقراض
عن إقراض السودان أو تمويل مشروعات التنمية، بسبب فقدانها الثقة في الاقتصاد
السوداني.
وانشغل الكبار ورموز
النظام بمصالحهم الشخصية. ما تم ذكره أعلاه شيء يسير وقليل جداً من الإخفاقات التي
عمّت جميع المجالات، وصار السودان دولة عشوائية مقطعة الأطراف، فالجنوب انقصل،
وحلايب محتلة، ويتم نهب مناجم الذهب وتصديره، ومنحتم الجنسية السودانية ووزعتم جوازات السفر للخارجين عن القانون
وأرباب السوايق والهاربين من السجون في
بلدانهم، والمطلوبين للعدالة، والمرتزقة، وسماسرة السلاح، وتجار المخدرات وغيرهم؛ وفتحتم
الحدود السودانية للجميع، فأصبح دخول
وخروج الأقراد والجماعات، وتهريب السلع والمنتجات السودانية سهلاً وميسراً بدون
رقيب وحسيب، وبدون ضوابط، وانفرط عقد أمن وأمان الشارع السوداني، وصار السودان
كياناً متداعياً ومتهالكاً، يعبث به وبمقدراته الجميع.
استمعنا الي خطابك يوم الجمعة، وللوهلة الأولي ومن
طريقة إلقائك وقراءتك له أدركنا أنه قد أُحيط بك، وأنك واقع تحت قهر وسيطرة مراكز
القوى، ورموز الإنقاذ، فهم يدركون أنك إذا ذهبت فهم ذاهبون معك، وإذا تمت إدانتك
فهم سيدانون معك، ويذهب ريحهم. فلذلك فهم متمسكون ببقائك رئيساً، وأنت أردت أن
تطمئنهم وتقول لهم أنا سوف أحميكم، فلا إقصاء للآخر، بمعنى انه لن يتمكن أحد من
مساءلتكم وتقديمكم للعدالة. وقولك إنك ستقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا موقف
سلبي ينم عن الخوف من مراكز القوي وأقطاب ورموز الإنقاذ والقطط السمان، فكيف لحاكم
عادل أن يقف على مسافة واحدة بين الظالم والمظلوم؟ أو بين القاتل والمقتول؟ بل
الحاكم العادل هو الذي ينتصر ويقف مع المظلوم وبجانبه، وليس على مسافة منه، وعلى
الحاكم العادل أن يقدم للعدالة كل الظالمين والمجرمين والقتلة، والذين أكلوا أموال
الناس بالباطل……….إلخ.
وإذا كنت عادلاً وقدمنهم للعدالة، فإنه يجب عليك
الاعتراف، وتسليم نفسك للعدالة لأنك شريك ومشارك ومتضامن معهم. أنت تعلم أن هؤلاء
الذين وفرت لهم الحماية، وساندتهم لن يساندوك، ولن يناصروك إذا جاء وقت الحساب، وسوف
يولون الادبار؛ وفي هذه الحالة سوف يرمون بكل الأوزار والتهم والجرائم عليك، ولذا فانك
حاولت ان تفك القيد والطوق من رقبتك، وجريت وانزلقت وقفزت الي الدبابة كجلمود صخر
حطه السيل من عل، (كما جئت اول مرة) طلباً للحماية والامان في
كنف وحضن الجيش. ونعتقد أن جيش السودان الحر الأبي لن يحمي الذين خانوا الامانة،
وسفكوا دماء الأبرياء، وفرطوا في استقلاله وسيادته، وهدموا اقتصاده، وفسدوا وأفسدوا.
كان الشعب السوداني
كله ينتظر منك أن تحسن إلى نفسك، وتفاجئه وتبشره للمرة الأولى في حياتك، وتعترف بأخطائك
وفشلك، وتعلن استقالتك من كل مناصبك. وربما كان ذلك حسن خاتمة لأعمالك في هذه
الدنيا الفانية، وما متاع الحياة الدنيا الا متاع الغرور؛ ولكنك أبيت حتى أن تحسن إلى
نفسك، وأخذتك العزة بالإثم، وتماديت في غيك وغرورك وكبريائك، وزين لك الشيطان أعمالك،
وتحسب أنك تحسن صنعا، وأعلنت استمرارك في حكم البلاد، رغم أنك تعلم أن الشعب سئم
منك. ولا تنس أن الموت الذي تفون منه سيأتيك حتى ولو كنت في بروج مشيدة، وفد يأتيك
الموت بغتة وأنت نائم، أو قد يأتيك بغتة صباحاً وأنت تلعب، أو قد يأتيك بغتة مساءً
وأنت ترقص.
مازالت الفرصة موجودة فقط، أعلن للشعب أنه ليس بمقدورك
أن تحكم بعد الآن، واحمل عصاك وأرحل، ارحل بعيداً منا يا عمر، فقد سئم الشعب الاستماع
اليك وأنت تكذب، وأن الشعب ملّ وكره النظر إليك وأنت تلوح بعصاك، وترقص.