هذا الداعية الذي يجاري (خطوط الموضة) ويعيش في (رفاه العملات الصعبة) من ثمن الدعاوي والفتاوي وعضوية الاتحادات الإقليمية والعالمية الصورية، ليته يصمت قليلاً ويرتاح من الركض بين المنابر.. وستحافظ البلاد على قيمها وعلى وعلى سلامة ضمائر أفرادها ونسيج مجتمعها..! فقد ابتلى الله بلادنا بصنفين من الوعاظ وعاشقي المنابر؛ الصنف الأول يسير رافلاً في النعمة ويبدل كلامه بين حين وآخر حسب الظروف والمتغيرات و(الترمومتر السياسي).. والصنف الآخر من شاكلة الأئمة التي يقول عنهم الخميني (علماء الحيض والنفاس).. من الذين أعمى الله عقولهم عن المعرفة بالقضايا الكلية وعزائم الدين، ولكنهم يطلون على الناس من المنابر والقنوات لاستعراض الجهل؛ فهم يعيشون في عصر غير الذي يعيش فيه الناس، وبعضهم يخوض في قضايا اجتماعية ويطلق الحديث جزافاً عن أحوال الأسرة والزواج والطلاق، ومن سيماء هذا الجهل أن احد هؤلاء (العلماء) دعا إلى إقامة (ورش عمل) ودورات للوزراء عن (يوم القيامة) بحجة أن ذلك يسهم في كف أيديهم عن الفساد!!
والغريب أن بعض الإعلاميين السذج يضفون على هؤلاء الدعاة الجهلة الألقاب العلمية التي تفضحها رؤيتهم للدين وللحياة، ولغوهم بالتحريم والتكفير في غير مواضعه من داخل (الجيتو المذهبي المغلق) الذي يعيشون فيه، بعد أن فاتهم قطار المعرفة والاستنارة..! ولكن المصيبة في الصنف الذي نهل من العلم وطاف العالم و(استوزر) وهو يعلم واجب الداعية ومعنى الصدع بالحق، ثم هو يمتلك لساناً فصيحاً ولكنه لا يستطيع أن يتكلم في الشأن العام من باب مصالح وشكاوي الناس الذين يخاطبهم.. فيقرر أن يقف إلى جانب نفسه ومصلحته..!
من يريد أن يكون داعية يصدع بالحق عليه أن يمتلك الشجاعة، فالمنابر ليست من أجل الزينة وجر (أذيال الخيلاء).. وهو لا شك يعرف تاريخ الدعاة الأعلام الذين نطقوا بالحق أمام الحاكمين ومن يتولون أمر الناس ويعلم أن أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر.. ويعرف أن إهمال القضايا الكبرى والحديث في الجزيئات هو من باب خوف التبعة والهروب من أمانة الكلمة.. وهو يعلم أن المجتمع في حاجة لمن يتحدثون عن (الموبقات الكبرى) لا عن الجزئيات والفرعيات الصغيرة التي يعرفها الغاشي والماشي.. فهل – مثلاً- تكون الأولوية للحديث عن الفساد الذي ينخر عافية البلاد والعباد أم عن (سجود السهو) وشروط الطهارة..؟! إنه الهروب من شكاوى الناس ومطالبهم وحقوقهم وكأن هؤلاء الدعاة لا يرون ما يدور في المجتمع فيهربون عن الوقائع الساخنة ويمطرون الناس بأطنان البلاغة الخاوية والتلذذ و(التمطق) بالشعر والسجع والحكم والأمثال..!
هذا الداعية (الوجيه) لا يرى في حركة المجتمع إلا ما يوافق هوى السلطان، وعندما يتدفق في عروق المجتمع الوعي الجديد، وتتوالى المشاهدة والظواهر الحميدة من الشباب الذي يبحث عن ذاته ووطنه، تجده يريد تشويه هذه الصحوة بالتخذيل والحديث عن الشائعات وعن الحزبية، وعن ضرورة (التأني والتثبّت) في أمور وحقائق لا تحتاج إلى تأني أو تثبت.. فما هو رأيك يا مولانا في الوقائع الثابتة التي يعترف بها مرتكبوها؟ وما رأيك في الظلم والإقصاء العريض الذي يشهده كل السودانيين من المؤتمر الوطني والجماعة التي تدور داخل حلقاتها المغلقة وتمنحك كل هذه المنابر والحظوة، وتقابل الآخرين بالإبعاد والإقصاء!وما رأيك في الفساد وتقارير المراجع العام؟ هل هي أيضاً من الشائعات التي تفسد النسيج الاجتماعي والتي تحتاج إلى تثبت وتأني؟! إنه يقول يجب الوقوف بعيداً عن الصراع ولكنه يعني (الوقوف بعيداً عن الحق)..! ما أصعب قول الحق على الذي يريد الاحتفاظ بأثوابه وقفاطينه اللامعة بعيدة عن غبار الحياة!