أترحم بهذه السطور على الأمير/ ناصر محمد تمساح، وأعزي فيه الأهل في دار حامد وسائر أنحاء السودان. سائلا الله سبحانه وتعالى، أن يرحمه ويلزم الجميع الصبر الجميل. لا أعلم إن كان الصبر على أمثاله يدخل فيه كبح الدموع أو لجم العبرات التي تتزاحم فتخنق الكلمات وسلاسة التعبير وتدفق المعاني. وحسبنا أن نسأل الله أن يجبر الكسر، ونذكره بالخير ونذكّر ببعض مآثره ونشر معلومات عنه وعن عطائه.
كعادة الوسائط سارعت تسابق الضوء، لتورد خبر رحيل الشيخ ناصر نهار 25 فبراير 2019. المغفور له الشيخ/ ناصر محمد تمساح من مواليد العشرينيات الميلادية من القرن الماضي. تربى في بيت والده ناظر العموم محمد تمساح ود أمبدا . قضى طفولته في بارا وأم سعدون. ولعله تفتح وعيه على شهرة والده الموصوف بزانوق وبالغالي تمر السوق.. قالت المغنية:
“الغالي تمر السوق كان قسموا ما بحوق ، زولا سنونو بروق في محكمة زانوق”.
درس ابن زانوق في مدرسة بارا الأولية التي تأسست عام 1917م. ثم ما لبث أن انخرط في الإدارة الأهليه فأكسبته معرفة الرجال وسوس القبائل. وعند انتقال عمه بشرى تمساح إلى رحاب الله، خلفه في رئاسة محكمة أم سياله الأهلية. عرفنا من الشيخ ناصر أنه عندما كلف برئاسة المحكمة ووكالة نظارة دار حامد بالمنطقة الشرقية لريفي بارا، اتسم بالعدل وبالصرامة في آن. حتى أنه لُقب (بالحمى الراجعة). ولكنه كان محبوبًا من أهله. فقد كانت داره موئلاً للضعيف ومكاناً لأخذ الحكمة وداراً للكرم وفض النزاعات وعتق الرقاب ومقنعا للكاشفات. وظل الشيخ ناصر يؤدي واجبه رئيسًا لمحكمة أم سياله ووكيلا للناظر لعقود من الزمن. ولم يُؤخذ عليه أنه مارس ظلمًا أو ساند ظالماً. واشتهر دائمًا بعزة النفس وإحساسه بذاته وانتمائه وبعزة الجماعة التي ينتمي إليها. وكان متفردًا في تواضعه وتدينه وفي اهتماماته وأولوياته. وظل على نهج أسلافه يصون شرعيته الأهليه بالحفاظ على سمعته وسوْس أهله بالتي هي أحسن. حتى صار قول اللين مرادفًا لسيرته. ويقال أنه لم يحكم بين متخاصمين إلا صلحًا. ولذلك قيل فيه:
من ما جلس في محكمة أم سياله
كـفـَّـات العداله يوت للصلح ميّاله
عارف وين مبيت غنامتو والابَّاله
وكل اهل القبيله زي الكأنو عيالَه
وبقدرما تميز الشيخ ناصر رحمه الله باللين وطول البال والحكمة، تميز أيضًا بالظرف والذكاء اللماح وبمراعاة مقتضى الحال. وترد قصته الشهيرة مع حاكم كردفان (1988)أيام الديمقراطية الثالثة الأستاذ عبد الرسول النور. فقد زار أستاذنا عبد الرسول ريفي دارحامد في نهاية الثمانينات وحلَّ ضيفًا على منزل الشيخ ناصر بأم سياله. ومن تواضع الحاكم عبد الرسول أنه جاء بدون سيارات دفع رباعي. فقد جاء في صحبة طائرة رش الجراد. افترض الشيخ ناصر أن جميع ركاب الطائرة من موظفي وزارة الزراعة كما هي العادة. وعلى الفور شرع في المناداة بإكرامهم. لم ينتبه للحاكم عبد الرسول. وهكذا سأل ضيوفه عن الأحوال وامتدت الونسة لاضرار الجراد ووسائل الرش ونجاعتها. ثم ساد صمت، فأراد الشيخ أن يكسره بتلطيف الجو، كما هي عادته. فقال للضيوف: (والله السيد الصادق بالغ، ما لقى لإقليمنا دا ، زولا غير البقاره ؟) ابتسم الجميع لأنهم أدركوا إشارة السجال اللطيف بين الأباله والبقاره ! فسارع أحد الحضور، وقال للشيخ ناصر: (يا الناظر، الزول القاعد جنبك دا هو حاكم الإقليم.) ابتسم الشيخ ناصر وبذكائه المعهود وبديهته التلقائية (ها زول؟ ) ثم لاطف الحاكم عبد الرسول قائلا: (تعرف يا سيادتك أحنا كبرنا خلاص ومرات شوفنا طشاش ومرات بنتكلم خاطيء صايد) ، فضحك الجميع. وصارت طرفة الشيخ ناصر من دعابات حبيبنا عبد الرسول التي يرويها بطريقته المشوقة.
لقد حرك خبر وفاة الشيخ ناصر محمد تمساح رحمه الله ، الحنين ولابد يعيد الذكريات عن عمالقة دار حامد ولعله من آخر هؤلاء عملاقة منذ الأمير سيماوي ود أمبدا. وحتماً أحد أبرز قادة السودان والإدارة الأهلية.
فمن الذكريات التي ترد وأرجو أن تسعفني الكلمات لوضعها في السياق. لقاء نادر مع الشيخ ناصر في جلسة مباركة في الأراضي المقدسة في نهاية التسعينات. كان ذلك قبيل وفاة شقيقه ناظر العموم الشيخ العبيد محمد تمساح رحمه الله. حضر الشيخ ناصر المغفوربصحبة الشيخ دقاش والد الناظر الحالي محمد أحمد تمساح. وبعد أداء الفريضة كانا ضيفين كريمين على حبيبنا أستاذ الأجيال عبد الباقي قسم الله تمساح. في تلك الجلسة حدثنا الشيخ ناصر بما أدهشنا. كان كنزًا تاريخيًا وكان حكمة تسعى بين الناس. ولا عجب فالرجل ابن السير محمد تمساح زانوق. الذي قيل فيه:
شيخ تمساح حليلك يا السير المو سير قـــِـــد
العربان في دارو متل الضما الفي العــــــــِــد
الجود والفراسه راجياك جد عن جــــــــِــــــد
ودار حامد عليك ما اظن تفك الحِـــــــــــــد
وفي الحقيقة لم يُرفع الحداد، فكل أرض دارحامد مكللة بالبؤس والتغييب منذ غياب الشيخ زانوق وأمثاله. وبغياب الشيخ يغيب الألق كما غاب مجلس ريفي دار حامد لتتداعى أبيات لبيد:
رحل الذين يعاش في أكنافهم وبقيتُ في خلف كجلد الأجرب.
وتتداعى تراثيات الكابلي وخصوصًا الحزينة منها (حليل موسى يا حليل موسى) وتتداعى صورة الحصان والسرج مقلوب على ظهره.
أعود لجلسة منزل الحبيب عبد الباقي تمساح. سألتُ الشيخ ناصر في جلسة محضورة من الأحباب جماع مردس وعبد الباقي وبدر الدين الطاهر وثلة من المهجرين من المنطقة وخارجها، سألت الشيخ عن وقائع تاريخية مختلفه. وسألته خصوصًا عن سيناريو استعادة نظارة دار حامد. كنت أحاول التوثيق لثغرات في تاريخ المنطقة وخاصة بعد الاحتلال الإنجليزي للسودان. حكي الشيخ تفاصيل كثيرة وقدم شواهد لا تسعها المساحة ولا المقام. وأسارع لأوجز واقعة لطالما تجاهلها التاريخ الوطني . وهي (كتلة شاكر). وما أكتبه عنها إعادة صياغه لما أشار إليه المغفور له وما تداوله الحضور. و( كتلة شاكر) يبدو أنها حدثت في حوالي 1831 م تقريبًا أي بعد عقد من مذابح محمد بك الدفتردار التي حدثت في أبريل 1821م. وبدأت بمنطقة دار حامد فصار الثأر مكتوم بين دار حامد والترك. ولهذا لم يكن مستغربًا أن تحدث مناوشات ضد الترك. وأخطرها ما عرف (بكتلة شاكر). شاكر باشا إداري تركي ، كان مسئولا عن منطقة بارا. واشتهر شاكر هذا بأسلوبه الفظ في التعامل مع دار حامد ولعله فاق باشوات العهد العثماني في عسفه. كان شاكر يجمع العشور والضرائب والقطعان من دار حامد بنهج، يبلغ درجة التوحش عند الانتقام من ضحاياه. فعلى سبيل المثال كان يعاقب (الخفراء) أو المتهمين بالعصيان، بربط الضحية بالحبال من أرجله ويديه، ثم يُنيخ الجمل فوق جسده. ثم يقف يتفرج على الضحيه حتى يلفظ أنفاسه. كما عرف شاكر باشا باستخدامه الخازوف في القتل. وعرف بأدخال القطط في سراويل الرجال وأحيانا عرف بأخذه النساء رهائن. وكان لا يتورع يساوم برهائنه. وكان يأخذ العجزة الذين لا يقون على الحركة من القرى والفرقان يضعهم رهائن عنده. وعدما لا يستجاب لطلباته يرسل جثمان كبير السن الأسير لأهله. ونقل عن شاكر إنه كان يقتل الرسول لمجرد أن القطعان وصلت هزيلة.
وسبب (كتلة شاكر) أو مقتل شاكر، أنه أعدم (راعي) كان مكلفًا من الشيخ أمبدا ود سيماوي بتوصيل ضريبة القطعان للباشا شاكر في بارا . وعندما وصلت كانت تعاني الهزال فغضب الباشا ، باعتبار أنه حذر (الراعي) في سابقه مماثله بأن يخبر الشيخ امبدا أبو كندي الملقب (بدود أم دقينة) أن لا يرسل قطعان هزيلة. كان مقتل الراعي القشة التي قصمت ظهر البعير. غضب الشيخ (امبدا أبو كندي). وغضب أهله وصار للغضب دوي وردود أفعال بين الجميع. وارتفعت أصوات تطلب الثأر للضحية. ولعلهم أهله تساءلوا إلى متى الصمت وتحمّل عسف شاكر باشا وصلفه. وكما هو متوقع ارتفع سوق الهجاء وانتشر غناء الحكامات. وأثرن حمية القبيلة بالتحريض والتعريض بمن يتخاذل أو يصمت. لا عجب أن لوح كثير من أعيان القبيلة بخيارات صفرية. ولكن تجلت حكمة شيوخ دار حامد بقيادة أمبدا ود سيماوي الملقب (بدود أم دقينه) وذلك بجمع رموز العشائر الحامدية. وتم الاجتماع في منطقة بالقرب من خور أبو قايدة حسب بعض الروايات. وتقرر تكوين وفد يشمل الحكماء ليذهب لقاضي بارا، ولشاكر نفسه. فإن استجاب لمطلبهم فبها وإلا فهناك خطة أخرى. كان الشيخ أمبدا أبوكندي على صلة ومعرفة بالقاضي بحر المسلمي. لعله من الجموعية. ذهب وفد العشائر، للقاضي المسلمي وقدم تظلمه من قتل شاكر (خفير الشيخ). واشتكى الوفد لشاكر نفسه. تضيف الرواية أن القاضي استمع إليهم وسجل الدعوى ووعدهم خيرًا. بينما طردهم شاكراً وكال لهم الإهانات.
تشير الرواية إلى أن (شاكر باشا) قرر عوضًا عن الصلح تأديب القبيلة. فأرسل في اثر الشيخ أمبدا أبو كندي لجلبه حياً أو ميتًا. سمع الشيخ بنتيجة الشكوى وبخبر عسكر شاكر. فاستعدت العشائر للمنازلة. ودخل الطرفان في معركة بالقرب من واحة البشيري. وكانت غير متكافئة. تكبدت قبيلة دار حامد خسائر في فرسانها وهزمت بالقرب من قرية الرُّضة ابجوار واحة البشيري. ورفعت المعركة من وتيرة الغبن ومن الاستعداد لمعركة تاليه. وهكذا بدأت الاستعدادات لأخرى حاسمة مع شاكر باشا الذي كانت أكبر خسائره فشله في القبض على امبدا أبو كندي وقادة آخرين كان يتصيدهم. واعتبر الباشا شاكر أمبدا أبو كندي متمردا بقاموس السياسة اليوم. وظل يتتبع خطاه من فلاة إلى أخرى. وعندما أعياه الترحال شاكر إقامة عسكر دائم بالقرب من البشيري. لمنع أمبدا من ورود الماء وأيضا لمراقبة الواردين للخيران سواء في الحمرة والرغائب أو أبو قايده. وكان رد فعل عشائر دار حامد إخلاء هذه القرى من السكان وامتنع البدو أيضًا عن وردود البشيري.
ومضى شاكر في خططه ضد عشائر دار حامد. لهذا دعا الشيخ امبدا أبو كندي إلى اجتماع آخر في منطقة بالقرب من قرية شرشار في شمال غربي بارا . وهذا الوادي تحيط به الغابات ومياه الخيران. أمّ الاجتماع قادة وفرسان يمثلون أكثر من ثمانية عشائر من دار حامد. تفاكر المجتمون في وسائل تصد شاكر باشا وتمنع تكرار الهزيمة السابقة. وبعد التداول قرر الاجتماع استخدام الدهاء باستلاف أسلوب المك نمر مع اسماعيل باشا. الحادثة التي أحرق فيها المك نمر اسماعيل باشا ومن معه عام 1821م وطارت بها ركبان ومطولات التاريخ.
لسوء حظ شاكر وهو في طريق العودة إلى معسكره بالبشيري وجد رجلا مسنًا، يقيم في قرية قريبة من البشيري. فحقق معه بوسائل العثمانيين المعهوده. وكان السؤال عن مكان أمبدا أبو كندي، أنكر الرجل معرفته بمكانه. وعندما (شاف) الموت ضحى، دلهم على شيخ اسمه الشريف كرام الشنقيطي. وقال لهم إن الشريف كرام الشنقيطي متزوج من شقيقة امبدا ولهذا يعرف مكان أبوكندي. كان الباشا شاكر يعرف الشريف كرام الشنقيطي ويعرف مسجده. فأرسل إليه من يسأله فافاده الشيخ الشريف بانه لا يعرف مكان امبدا أبو كندي تحديدًا. تفهم شاكر رواية الشيخ كرام الشنقيطي ، لأنه عُرف بالصدق وباعتباره رجل دين متفرغ لتدريس القرآن. وتشير الرواية إلى أن شاكراً طلب من الشيخ كرام البحث عن أم بده. وأنه يرغب في مقابلته. ولعل الشيخ كرام ملّ ملاححة شاكر باشا في البحث عن الشيخ أمبدا. فقرر الشريف كرام الشنقيطي المغادرة إلى مكان إقامة الأمير امبدا أبو كندي. ولاشك كانوا يعرفون الفلاة ومراعي إبل(امبدا) دود أم دقينه. وكما هو متوقع فقد بث شاكر في أثرهم عيونه وأرسل جواسيسه. وصل الشيخ الشريف كرام لمنطقة خور شاكر الحالي بالقرب من قرية شرشار. والتقى بالأمير أمبدا ود سيماوي. ولعل الشيخ كرام عرض وساطة لأن أصل الخلاف سيجلب ضررا أكبر. ويبدو أن أمبدا أبو كندي لم يمانع من تسوية القضية ولكن بأن يأتي شاكر باشا لمنطقة إقامة القبيلة. ولا نعرف التفاصيل ولكن قبل شاكرا الحضور لإكرامه والاحتفاء به وأيضًا لتسوية الأمر. لكن كان هدف أمبدا أبعد من التسوية لأنه تيقن من أهداف شاكر. وتمضي الرواية بأن عشائر دارحامد قبلت الوساطة والتسوية. وصل شاكر إلى منطقة شرشار. واستقبل بالترحاب والذبائح والكرام على نحو يليق بمقام الباشا كما هي عادة أهل البادية. ويبدو أن المائدة كالعادة لم تخلوا من خمور بلديه وأقلها المريسة التي قيل أن جنود الباشا أسرفوا فيها.
وحسب الخطة سيعقد مجلس الصلح بعد تناول العشاء. في المكان الذي أعد خصيصا لشاكر وكبار قادته. فإن مضت الأمور كما ترغب القبيله فبها وإلا فإن رفع الشيخ سيماوي عصاته فإن على الفرسان الهجوم. كان اختيار موقع الاجتماع مهمًا من حيث خضرته وهدوئه والمداخل وكثافة الغطاء النباتي . وعندما تحلق مجلس الصلح وشرع في التداول في مشكلة القطعان الهزيله والإعدامات، ظهر شاكر بصلفه القديم واحتقاره لمضيفيه. ثم لم يفاجأ الجميع بهجوم كاسح على شاكر ومن معه ومن (القبل) أو الجهات الأربع. ولم يمضي الكثير حتى انجلى حكم شاكر. واستعد بدو دارحامد للرحيل إلى حيث قبر جدهم حامد في أم دخن في دار فور. فقد ترتب على الواقعة مغادرة الشيخ امبدا ومعظم عشائر القبيلة إلى مناطق الواحات حول وادي الملك. ثم العبور إلى منطقة (الجزء) بالقرب من حدود ليبيا وإلى أم دخن في دار فور. وقد رحلت القبيلة بما فيها علماؤها ومنهم الشيخ الشريف كرام الشنقيطي الذي توفي بأم دخن وله ضريح بجوار ضريح الجد حامد الفزاري. لا عجب أن كانت لدار حامد امتداداتها في أم كدادة والمالحة والكومة ومليط والنخيله والعطرون وإلى الكفرة في جنوب ليبيا ومراعي (الجزء).
مكث أمبدا ود سيماوي (دود أم دقينة) ومن معه من العشائر الحامدية بدارفور زهاء عقد من الزمان حسب بعض الروايات المنقولة. ثم حدث تطور إيجابي حسب روايات شفاهية (مصدرها بعض شيوخ دار حامد ومنهم الشيخ حاج إبراهيم ود بشير ود سنوسي من قرية حاج بشير غربي بارا ، والحاج عبد القادر ود إبراهيم ود عبد الله (المرخه). وهناك رواية عن سجادة البرابيش بأم عسل ولاشك أن هناك روايات أخرى تتفق أو تناقض كل أو جزء من هذه الرواية. ولكن فيما يتعلق بعودة دار حامد لبارا مرة أخرى، يقال أن الشيخ الدرة والد البان نوره (بضم النون والراء)، – له مقبرة بجوار مسجد الأبيض الكبير- كان قد أقام مع ابن عمه الشيخ أبو حجل في مسيده بمدينة مليط خلال وجود قبيلة دار حامد بدارفور. ثم راى الشيخ الدرة رؤية وقرر زيارة شيخ السجادة التجانيه بخرسى فقد كان من أصدقائه. وخلال وجوده في خرسي عرض عليه شيخ خرسي، أن ينقل رغبته والسيد المكي السيد اسماعيل الولي ، بالتوسط لدى الحاكم التركي بالابيض للعفو عن أمبدا أبو كندي وعشائر دار حامد للعودة لديارهم. وبالفعل تم ذلك. ويقال أن ما سهل مهمتهم. أن حاكم الأبيض التركي رأى أن الوساطة تخدم أكثر من هدف. فهو يرغب في قطع الطريق على التحالف بين بعض قبائل شمال كردفان وسلاطين الفور. وقد تمرد بني جرار واستولوا على أم زريبة وتندلتي وام روابه ومناطق شمال بارا إلى الكوكيتي وأعلنوا انضمامهم لسلطنة الفور. ومما دفع الحاكم التركي بالأبيض لقبول التسوية أنه كان يدرك أن قبيلة دارحامد (فزارة) لم تكن تاريخياً على وفاق مع سلطنة دارفور بسبب حادث تاريخي سجن فيه السلطان محمد درة (1722-1732م) زعيم القبيلة محمد مريمير ود حامد أو (كريالو). وأيضا لن يقبلوا بضم ديارهم لدارفور. وعلى كل قد يكون هذا العامل ضمن تقديرات الأتراك لدفع القبيله للعودة لديارها واستعادة عاصمتها بارا. ومن جانب رأت قبائل دار حامد ولما لا نعود ولو كان الثمن الوقوف في وجه أبناء العمومه بني جرار، الذين كانوا على العكس يسعون للإنضمام لسلطنة الفور.
وأيًا تكن الأسباب فقد عادت دار حامد وعاد امبدا أبو كندي أو (دود أم دقينه) لداره وعاصمته بارا ضمن مبادرة العفو التركي الاضطراري إن شئت. وبالطبع لا تتوفر وثائق عن شروط التسويه ولا نعرف تفاصيلها وإن خمنا دوافعها وعايشنا نتائجها على أي حال.
لاشك أطلتُ الوقوف على المسرح بتفاصيل هذه الحادثة مع أن المناسبة رحيل “البشيل فوق الدبر وما بميل”. وعود على بدء التاريخ لا يكرر نفسه ولكنه حتمًا يتكرر في الرجال. وهكذا بغياب جيل العمالقة من أمثال الشيخ ناصر ود سيماوي ، أرجو أن لا يتسلل اليأس إلى النفوس. فمن هذه السِيَر يُستمد العزم. وثمة آمال في تكرار التاريخ لنفسه في الرجال. ولا يسعنا إلا أن نترحم على الشيخ ناصر محمد تمساح ، سألين الله أن يجعل البركه في عُقبه. آمين.