تظل الثقافة الفنية والأدبية أسلحة جبارة في زمن الثورات، وهذا ليس استحداثاً استخدمه، بل إنه واقع الثورات وتاريخها الذي ينبئنا عن دورها في إلهاب الثوار، وتوجيه بوصلة الأحداث احياناً.
التصدي لهذه المهمة العزيزة ليس تنظيراً أبداً بل أفعالاً على الأرض يتفاعل معها الناس في ظروف السلمية. الثورة التي تجري حاليا ببلدنا هي مقدمات لثورة ثقافية بامتياز استطاعت زلزلة النظام في مراكزه بمضمون، ومحتوى الفعل الثقافي المضاد الذي أتى به الثوار والثائرات من الأبناء والبنات .
في هذا المنحى تمت، وعبر الهتافات المتنوعة ظهور قيم ثقافية شعبية، سودانية، ديمقراطية أصيلة، فعادت تستقر في منصة المفاهيم الإستراتيجية للفرد والجماعة ومنها: يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور. مكافحة الفساد، وخاصة فساد الدولة، أصبحت لا تحتاج إلى كبير عناء ثقافي من محاضرات وورش عمل و (تنظير ممن لا تحبهم) مع انتشار وذيوع هتاف سلمية سلمية ضد الحرامية، بل صناعة الهتاف نفسه أضحت عملية فنية صرفة من صياغة وأداء ملحن.
عن الأفعال حدث ولا حرج في النبل والطرافة والصدمة لأهل النظام الذين اعتقدوا بنجاحهم في تشويه وعى الشباب، حين شاهدنا مقابلة اللوم( في همزة على الواو)، بالكرم في عدد من الوقائع، وأشهرها حماية الأمنجي في العباسية وتسهيل هربه، وثانيها إرواء رجال الشرطة بالماء من الأهالي، وبالجردل، وهم يراقبون الزقاقات وووو .. ما يسمح بإعداد رسالتي ماجستير ودكتوراة عن ثقافية الثورة.
أما القول بعدم حاجة الناس حالياً إلى الفنون والآداب فغير صحيح البتة، وهو مجافٍ تماماً للحقيقة . خذ فن الغناء، قدم الشباب عشرات الأناشيد عبر أصوات غنائية جديدة وأشعار والحان جديدة أتت بنتائج فورية على الأرض عبر وسائل التواصل، وكذلك الدراما الإذاعية.
وأؤكد رأيي بتجربة شخصية في نقل مادة دراما إذاعية وصلتني عبر الواتس وحولتها قبل شهر إلى الفيسبوك، ووصل عدد من استمع إليها وشاهدها بعد المعالجة بالصور إلى ٣٣ ألف شخص وأكثر من ٢٢٠ شير، و بذات الانتشار أغنية ارح مارقة وعن اذنك شارع، وليلهم الكوابيس والمحن، والفجر لاح، وكلمات الكتيابي فيأداء ولحن كمال في: طالما ساجننهم – معناتا خايفين منهن.
أما التشكيل فلم يظهر منظرون عنه أبدً،ا بل حزم وأطنان من البوسترات التي ساعدت على الترويج للمواكب، والسخرية من النظام في فن الكراكاتير .
الصورة عبرت بثورية وقدمت خدمة غير عادية في التوثيق للثورة ،وهي أداة التثوير المتقدمة حتى الآن في توثيق ما يجري من أحداث، وتستفيد منها الميديا العالمية، ومنظمات حقوق الإنسان في إظهار عنف اجهزة النظام، وعمل التقارير والأفلام.
أخيراً هذه ثورة على المفاهيم أيضاً، ومنها مفهوم أن الإنتاج الثقافي ليس أكثر من تنظير باستناد الى إرث تاريخي من الكراهية للفنون، وأن جمهور صانعيها من الفنانين الذين ليسوا في كل الأوقات مجرد منظرين، وان كان التنظير الخلاق هو فعل ثوري كامل الدسم.