• من وقتٍ لآخر، وأنا أتصفَّحُ الشبكةَ العنكبوتية، أتعثَّر في بعضِ حلقات الدكتور الترابي التي سُجِّلت له في برنامج شاهد علي العصر في قناة الجزيرة العربية في أكتوير ٢٠١٠م، فأتوقّف عندها متأمِّلاً آراء، وإفادات الرجل المثيرة للجدل!
وبالصدفة كذلك، تتداول منصات التواصل الإجتماعي هذه الأيام لقاءً آخرَ للشيخ الدكتور سَجَّله له تلڤزيون (البي بي سي) قبل سبع سنواتٍ من الآن، وربما بعد ما يقارب السنتين من تسجيلات شاهد علي العصر، وحتماً بُعيد إختيار الجنوب الإنفصالَ عن السودان في إستفتاء يناير عام ٢٠١١م..
• كأنَّ مقابلةَ (البي بي سي) تلخِّصُ آراء الشيخ الحاسمة، وتنبؤاته القاطعة عن الإنقاذ، وعن مستقبل السودان حالَ إستمرت الإنقاذ تحكُمه بطريقتها (الملوكية القابضة)، وهيَ ذات الآراء التي قال بها متفرِّقاتٍ في حلقاته في شاهد علي العصر!! وأعتقد أنه بإمكان حزب المؤتمر الشعبي، وقيادته، والذي ظل متردداً، (متجاوطاً) طوال الأزمة الحالية، ومتذبذباً، لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء، بإمكانه أن يجتر آراء شيخه تلك-إذا كان ما يزال يحترم آراءه- عساها تضئُ له الدرب، وتجلو عن عينيه شيئاً من الغَبَـش الذي إعتراه في أزمة الوطن الراهنة !
قال الشيخ في مقابلة (البي بي سي) وبشكلٍ قاطع، إن البلاد مقبلةٌ، وبلا شك، علي ثورةٍ قوية مثل ثورتي أكتوبر وإبريل، وقال إن تلك الثورة ستأتي بغتةً، وبصورةٍ مفاجئة لتقتلع النظام إذا إستمر النظامُ علي ذات المنوال العضوض، وإذا لم يُحدِث تغييراتٍ في طريقة إدارة البلاد من تلقاء نفسِه!! وعندما سأله المذيع عن البديل عندئذٍ، قال له الشيخ بثبات إنَّ مثل هذه الثورات لا تنشغل بالبحث عن البديل، بل هيَ تنفجرُ بغتةً، وبصورةٍ مفاجئة، ويكون الناس وقتذاك قد بلغ بهم الضيق مبلغاً عظيماً لا يبالون معه لو كان البديل هو الشيطان نفسُه، قالها هكذا قولاً واحداً!! ويقول: تحدُثُ الثورة لتقتلعَ النظام أولاً، ثم يأتي البديل بعد ذلك؛ ودلَّلَ علي كلامه بثورتي أكتوبر ١٩٦٤م وإبريل ١٩٨٥م السودانيتين، وبالثورتين المصرية والتونسية..وقال إنه سأل المصريين والتونسيين، حينها، عن بديلهم حين فجّروا ثورتيهما فقالوا له إنَّه لم يكن لديهم أيُّ بديلٍ جاهزٍ لإحلال النظامين الزائلين!!
• في حلقات شاهد علي العصر، وفي لقاء (البي بي سي) معاً، لم يكِن الشيخ يعلِّقُ أيةَ آمال علي إنصلاح نظام الإنقاذ، وقال إنه نادمٌ أنه جاء بهم، وأنه قد تبيَّن له أن العساكر أصلاً، وتربيةً لا يميلون إلي الديموقراطية، ولا يختارونها، ولا يريدونها في الغالب..وقال إنه تاب منهم توبةً نصوحةً، وكذلك تاب منهم الشيوعيون، وحزبُ الأمة مثله، وهو هنا يشير إلي دعم الشيوعيين لإنقلاب جعفر النميري في مايو ١٩٦٩م الذي فتك بهم لاحقاً، وإلي إستلام عبود للحكم من حكومة حزب الأمة برئاسة عبد الله خليل في نوڤمبر عام ١٩٥٨م وكيف تحوَّل إلي دكتاتوريةٍ قابضة بعد ذلك!!
• نبوءاتٌ واضحة، أو لعلها إستقراءاتٌ ذكيةٌ، ولمَّاحة، ليست للحَكِي والونسة ،وإنما متحقِّقةٌ علي الأرض، ويراها الناسُ الآن رأيَ العين وهي تسعي بينهم علي أقدامها !!
• وكما قلتُ آنفاً، فربما يكونُ من المفيد لإخوتنا في حزب المؤتمر الشعبي-وقد شاركوا الترابي في المجئ بالإنقاذ- أن يرجِعوا إلى تلك الحلقات، وإلي ذلك اللقاء، وسيكونون أكثرَ ثقةً بآراء ونبوءات الشيخ، وسيجدون أنها لم تَزَل أكثرَ رجاحةً، وهو في قبره، ومنقطعٌ عنه نورُ الإلهام، من آراء شيخيهما الحيَّـيْن (السنوسي وعلي الحاج) وهما ما يزالان يتنفسان، وتنبضُ عروقُـهما بنبضِ حياةٍ غيرِ مُلهَمة ولا مستبصِرة !!