مثلما جاء في الصحف بعنوان (الكشف عن 144 شركة حكومية مخالفة للقانون) هناك أشخاص وكيانات مخالفة للطبيعة البشرية؛ ولا يمثل وجودها أي إضافة للحياة السياسية في السودان.. وإنما هم جماعة ليست في العير ولا في النفير، إذا غابوا لم يُفتقدوا وإذا حضروا لا يضيفون شيئاً.. بل ربما كانوا عالة على الآخرين..ومن هذه مجموعة ما يُسمى بتنظيمات وأحزاب الوفاق الوطني وهم مجموعة من الأفراد الذين يمتهنون السياسة على طريقة مجموعة من الأفراد يدخلون السوق في الصباح بجيوب خالية، ثم يشربون الشاي (على الحساب) وينتظرون أن يدخلوا بين البائع والمشترى وليس لهم غير كليمات من نوع (باركوها) ويفتح الله يستر الله.. وهي كلمات (حلقية) يرددونها بروتينية لا تحمل معنى (الفتح والستر) الربّاني! ..
هذه هي حال مثل هذه التنظيمات والأحزاب التي لا تتداعى بمفردها للاجتماع إلا أن يدعوها المؤتمر الوطني.. فيسرعون إلى (العمائم والشالات) ويجلسون بين أطباق التمر والمكسّرات (ليدرشوها) في اجترار رتيب خلال التنوير، ثم يدلي كل منهم بكلمات يضعها أصحاب الدعوة في أفواههم ثم ينفضوا إلى أن تصلهم دعوة للقاء آخر.. وكان الله يحب المحسنين..! وهم بذلك يكلفون الدولة وقتاً غالياً ومالاً سائباً من غير طائل في إعداد القاعات والتغطيات الإعلامية ومصاريف المواصلات (وربما مصاريف الجيب) وربك جلّ وعلا هو الأعلم بتكلفة القاعات والكهرباء والوجبات والحضور والمغادرة والموالاة..! وبالأمس حدثت دعوة من هذا النوع فلم تجن منها أي جهة فائدة، ولم يحدث أي تغيير في المناخ الوطني أو في موازين الفعل السياسي؛ فقد جاءوا وجلسوا وقالوا وانفضوا، ومنهم من يقول إنه رئيس الحزب الفلاني أو الحركة العلانية ومنهم من يتحدث باسم (اللجان الثورية) التي تم تشكيلها في زمن مضى على غرار اللجان الثورية الليبية.. ولك أن تتخّيل أن يكون هناك حديثاً يُرجى من ممثل هذه اللجان التي ليست لها وجود إلا في خيال الصحراء الغربية و(واحة الجغبوب)! فما يكون نفع حديث يصدر من ممثل هذه اللجان الأسطورية! ..وعلى ذلك قِسْ!
والغريب إن لهذه التنظيمات هيئة ومكاتب ومجلس ومنسقية.. وكل هذا مما يرهق الموازنات ومسارب الإنفاق العام في بلد يوجد به الآن وعلى أقل تقدير 144 شركة حكومية مخالفة للقانون! وإذا أردت أن تضيف (نمرة) أو فقرة أخرى إلى هذا (السيرك) فدونك منصب يسمى (مندوب السودان الدائم للأمم المتحدة بجنيف) الذي يشغله طبيب أسنان ووزير خارجية سابق.. وسفير حالياً..! وقد ظهر صاحب هذا المنصب في تصريح بالأمس بعد غيبة دهرية..فقال بعد (هنهنة) تتكرر هذه الأيام من الجماعة ..قال إن من حق الشباب الاحتجاج والتظاهر لسوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة (وإذا نظرت إلى منصبه عرفت سبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعطالة الشباب) ثم مضى يقول (هناك خط أحمر يؤدي تجاوزه إلى تخريب البلاد)!..وقال إن تعامل الحكومة مع الاحتجاجات “كان جيداً”!! (ولكنه لم يشرح معنى الجودة) ثم قال إن الانتخابات الرئاسية ستجري العام المقبل وإذا رأى الشباب أن الحكومة الحالية لا تلبي طموحاته فيستطيع تغييرها عبر الانتخابات..!!
التعامل مع المُحتجين كان جيداً نعم…!! فمَنْ يحدث هذا الرجل وهو يطل على (بحيرة ليمان) عن اقتحامات البيوت على أهلها وعن الرصاص الحي والسحل ودهس الناس بالسيارات و(ضرب الغبينة) والخراطيش التي ترسم مساراتها على ظهور الفتيات والصبايا والأطفال والاعتقال والإهانة والحُكم بجلد النساء؟
هل رأيت هؤلاء الناس كيف يفكرون بعد أن استطال عليهم النعيم من دم الوطن المسفوح.. وكيف هم محبوسون في (كبسولة الأوهام)؟! مثل هذا المنصب وهذه الوظيفة تكلف خزينة البلاد عبئاً ثقيلاً، ولا بد من مراجعة هذه المناصب المكلِّفة قياساً بجدواها عندما تستقيم الأمور، حيث لا يعرف الناس ما يقوم به مكتب جنيف هذا، ولا يسمعون عنه شيئاً إلا بين عام وعدة أعوام مثل هذه الإشراقات عن (الخطوط الحمراء والانتخابات القادمة).. ماذا يفعل هذا المندوب في هذا الموقع المُكلّف الذي يستنزف الخزينة العامة، ولا تقوى عليه حتى الدول التي لم تبلغ حالنا من حيث الضوائق الاقتصادية وضيعة المال العام و(السبهللية المالية) التي من أدني حالاتها وجود (144) شركة حكومية مخالفة للقانون..!