مشكلة الاقتصاد وغلاء المعيشة وأصلها السياسي وجدت أخيراً حلّها على يد مساعد رئيس الجمهورية (عبد الرحمن الصادق) وقد كنّا نظن أن مهمته قد انتهت بحل الحكومة وأن مرتبه ومخصصاته قد تم توفيرها لإنعاش الخزينة العامة.. وأنه قد حمل عصاه ورحل فهذا هو أقصى ما يستطيع أن يخدم به هذا الشخص الاقتصاد السوداني إذا أراد أن يسدي جميلاً ويسهم في حل الأزمة المعيشية.. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها….!
كان الأفضل له الصمت.. ولكنه لا يعلم حقيقة مهمته ووضعه، فآثر أن يستمر في التصريحات (منتهية الصلاحية) والتي لا تجلب له غير الرثاء والضحك في أكمام القميص (كما يقول الإنجليز) مع إن الحالة العامة لا تغري بالضحك.. ولكنها تصريحات تجلب عليه السخرية، فهو ليس في مقدوره أن يحرك حجراً واحدًا في الحياة السودانية العامة..! قال بالأمس إنه يطالب الولاة بفتح أفرع لأسواق الشباب بالمحليات كافة (للبيع بسعر المصنع).. وقالت الصحف إنه وجه إنذاراً شديد اللهجة للمضاربين والمفسدين و(المتلاعبين بقوت الشعب)..! ألا تعلم حتى الآن وأنت في وسط الزفة مثل (نعامة الشيخ) مَنْ هم المفسدون ومن هم الذين يضاربون بمصلحة الوطن!!
لعله يظن أن حديثه هذا يمكن أن يغيّر شيئاً في الأسعار أو منافذ البيع.. (غيرك كان اشطر)! ويظن أنه يقوم بدور وزارة التجارة ووزارة الصناعة والتعاونيات ورقابة الأسعار والمحليات وشؤون الولايات.. وزيادة في الشطارة برر (هذا التوجيه الحازم) بشعار شرح فيه السبب في إدخال رأسه في هذا الأمر فقال وهو يدّعي البلاغة وفصل الخطاب (الحصة وطن)! وهذا تعبير استلفه كعادته من ألسنة آخرين وأراد استخدامه في توزيع السلع عبر أسواق البيع المخفّض..! ثم قال ناصحا الأمة: يجب أن نعلي من شأن الوطن (وهو لا يدري بأنه يعمل على تنكيس راياته) وأضاف من حكمته: ويجب الابتعاد عن المصالح الشخصية والحزبية.. وهو لا يعلم إنه يخاطب منظمة حزبية اسمها الاتحاد الوطني للشباب السوداني.. ثم قال لا فض فوه إنه يدعو هذا الاتحاد إلى الانخراط في حوار مفتوح مع الشباب دون النظر للانتماءات الحزبية والسياسية.. مشدداً على أهمية نبذ العنف ومُعلناً عن اسهامه والتزامه من موقع الرئاسة بتنفيذ مخرجات هذا الحوار وإنزاله إلى أرض الواقع..!! ثم قال من غير مناسبة.. (بل ربما بتوجيهات أن يرعى بقيده) إن اتحاد الشباب مظلة قومية لكل الشباب..!
هذه هي بعض المهام التي يُنتدب هذا المساعد (لتشريفها) فيقف مزهواً (بغير مبرر) وهو يحمل عصا الزينة، ويتحدث متعلثماً فيمطر الناس بمثل هذه الترّهات الخالية من المقدرة على تحريك مقدار شعرة في الأحوال الجارية أو التأثير عليها… لأنه لا يعلم أن وظيفته لا تشمل التنفيذ واتخاذ القرارات.. ولو أبصر في جملة تكليفاته لعلم أنها لا تخرج من افتتاح القاعات و(قص شريط المطاعم الجديدة) وتسليم كؤوس سباقات الهجن والبولو…أكبر خدمة يقدمها هي أن يترجّل من هذا المنصب.. فقد بطل مفعول توظيفه.. وتغيّرت الأحوال.. وبذلك يكون قد ساعد الخزينة العامة بتوفير مرتبه ومخصصاته وسياراته وكُلفة مكتبه وتابعيه.. وهذا أقصى ما في استطاعته أن يفعل….ما هذه المصائب التي تتحدّف على السودان حتى بلغ بنا الحال هذا الدرك!
murtadamore@yahoo.com