في يوم الأحد الماضي الموافق 10 مارس الجاري تم تقديمي وآخرين لمحكمة الطوارئ المنعقدة بمحكمة جنايات الأوسط بأم درمان، وشارك في الدفاع عنا نحو ثلاثين من المحامين الشرفاء داعمي الثورة وعلى رأسهم الأستاذ خلف الله المحامي الذي أفلح في تفنيد أقوال الشاكي وتهزئة النظام وطواريه ودكها دكا، له التحية ولكل المحامين الذائدين عن حقوق الثوار والمساهمين في دعم الثورة.
وبعد صدور الإدانة والحكم عليَّ وعدد من الأحباب بالغرامة خمسمائة جنيه وبالعدم الحبس لمدة أسبوعين جددتُ المطالبة بالامتناع عن دفع الغرامات، وهو ما ناديت به وعددت حججه حتى قبل صدور الأحكام، فاقتنع المحامون الذين حاوروني والتزموا بعدم الدفع.
ولكن وبينما انا في الزنزانة بعد صدور الحكم جاء ليحاورني ثلاثة من الأحباب من بينهم الأستاذ حسن جلالة من قياديي أمانة المحامين بدائرة المهنيين بحزب الأمة القومي. ذكروا لي ضرورة دفع الغرامة وخروجي لعدد من الاعتبارات رأوها وكان ردي فاصلاً وهو أني لا أقبل دفع الغرامة البتة فقال أحدهم (ما على كيفك) ولم يخالفه أستاذ جلالة ولا عضدني في حق الامتناع بل تم تنفيذ الدفع قسرياً، الشيء الذي قادني للكتابة معبرة عن ألمي من سياط القهر داخل معسكرنا نحن الذين خرجنا نهتف: حكومة القهر.. تسقط بس. كما أني اعتبرت أن كل من شارك في القسر أو صمت عليه قد انتهك العهد الأهم بين المحامي وموكله وهو ثقة الأخير في أن الأول يدافع عن مصلحته وفقما يراها لا غصباً عنه.
واليوم تم القبض علي بسوق امدرمان من جديد وتم اقتيادي لنفس القسم الأوسط مع ثلاثة مقبوضين آخرين. ولدى تحويلنا من النيابة طالبت بالاتصال بمحام وباسرتي وفشلت في الحصول على أي من المحامين الذين أعلم ترددهم على الأوسط فاتصلت بالاستاذ نبيل أديب ورجوته الاتصال بمحامين موجودين بالقرب ليحضروا إن أمكن.
تم تقديم زملائي الثلاثة الآخرين لمحاكمة في القاعة الرئيسية، واقتدت لقاعة صغيرة لم يسمع بها المحامون الذين حضروا للترافع عن الثوار، وبعضهم قال لي انهم جاءوا خصيصا بعد سماعهم باعتقالي للترافع عني، وهو أمر يقومون به بكل نكران ذات تلبية لنداء الوطن.
حينما دخلت القاعة لم يكن بها سوى القاضي والشاكي والشاهد، فسألت: أليس من حقي محام ومحكمة علنية؟ قالوا من حقك ولكن لم يحضر احد ومنعناه، سألت وقد علمت أن محامين كثر بالقاعة الكبرى أليس بإمكاني الذهاب والطلب من أحدهم الحضور للترافع عني؟ قالوا لا ولكن يمكنني الاتصال بالهاتف بمحام وبذلك رفعت الجلسة حتى حضور الأستاذة منال عوض خوجلي والأستاذ أحمد البدوي الذين علمت من استاذ نبيل أنهما في الطريق.
وبينما كنت في طريقي للحبس للانتظار حتى وصولهما قابلت الأستاذة فاطمة ابو القاسم وسألتها إن كان بإمكانها أن تترافع عني فوافقت، وبناء على ذلك دخلنا قاعة المحكمة من جديد ودخل محامون ومن بينهم الأستاذ حسن جلالة الذي همست في أذنه قائلة: لا أوافق أن تترافع عني، وبالطبع كنت أشير لما حدث ورويته آنفا في يوم الأحد الماضي. ولكن ولدهشتي فإن الأستاذ بدلا عن الانسحاب لوحده التفت إلى زميليه وهما الأستاذة فاطمة والأستاذ محمد حسن (أجندة) وقال لهما إني رفضت مرافعتهم عني، فخرج ثلاثتهم من قاعة المحكمة.
طلبت من شرطية المحكمة أن تلحق بالاستاذة فاطمة وزميلها وتذكر لهما أن تعليقي للأستاذ جلالة خاص به، ولكن الشرطية عادت وقالت لي إنهما رفضا الترافع عني. وكانت النتيجة أنني قمت بالمرافعة عن نفسي في قاعة فيها الشاكي وشاهده ودستة من الرباطة والكجر هم جمهور المحكمة. لم يكن معي ولا محام ولا ثائر ولا ثائرة واحدة حتى انقضت فقرة أقوال الشاكي والشاهد، وأخيراً حضر الأستاذ حسن الحماي المحامي مشكوراً أثناء ادلائي بأقوالي ومن ثم لحظة النطق بالحكم.
واقول، إن الثورة والوطن أكبر منا جميعاً، ولذلك وبعيداً عن أية أبعاد شخصية، أرجو صادقة أن نخرج بالدروس التالية:
0 هذه الثورة مستمرة حتى سقوط هذا النظام الغاشم بإذن الله وللمحامين الشرفاء سواء المنتمين إلى التحالف الديمقراطي للمحامين أو غيرهم دور كبير في تقديم الدعم القانوني، وهو دور لا غنى عنه للثورة. ليس فقط في دعم الثوار، بل أيضاً في تعرية نظام القهر وتبيان تهافته وانهياره الأخلاقي والقانوني، إن محاكم الثوار هي فرصة ذهبية ليحولها المحامون لمحاكمة للنظام.
0 من حق المحامين أن تكون لهم تقديرات قانونية وفنية بل وسياسية، وان يبصروا موكليهم بالمزالق والمآلات، لكن القرار النهائي حول إفادات الثائر أو خياراته في دفع الغرامات أو اختيار الحبس بدلا عنها هو قرار الثائر/ة، ولا يمكن استلاف اي سلطة قانونية أو حزبية أو أسرية أو طبية للحجر على الثائر/ة أو فرض موقف عليه/ا.
0 في حال حدوث خلاف لأي سبب كان بين ثائر/ة وبين فرد أو مجموعة من تحالف المحامين، فالموقف السليم ليس التضامن الأعمى مع الزميل/ة أو الزملاء، بل الموقف الذي يمليه الضمير الوطني والمهني هو مؤازرة الثائر/ة في محكمة الطوارئ، وحل الخلافات أو تثبيت التضامن بين الزملاء بعيدا عن أي موقف يجعل الثائر ضحية الطوارئ ضحية للمرة الثانية بغياب اي دعم قانوني له.
واقول، إنني على نطاق شخصي لم افتقد الدعم القانوني اليوم فقد تكفلت زيارة الوفد الأمريكي بالترافع عني واستصدار حكم البراءة، ولكني أعلم جيداً أن كل ثائر وثائرة ربما وقع تحت طائلة جلسات تشف بعد خروج الألفة الوشيك.
ومن هنا أناشد المحامين الشرفاء الذين ضحوا ويضحون بمجهوداتهم وأموالهم وراحة بالهم من أجل الوطن، أن يحرصوا على جعل هذه الأعمال النبيلة متسقة مع هدفها التحرري، بتحرير إرادة موكليهم، وإعلاء قيمة التضامن مع الوطن والثوار على أي تضامن آخر.
وفي النهاية لمحامينا الشرفاء قاطبة، ولاولئك الذين عبروا عن تضامنهم مع حقي في رفض دفع الغرامات، ورفض اسلوب القسر، اهدي أسمى آيات الشكر والعرفان.