مقدمة
كل خريطة تتطلب مفتاحاً لقراءتها، فما هو مفتاح قراءة حركة التاريخ في يومنا هذا إذ نشاهد كثيرين من الشباب يندفعون في بسالة في حركات تقدمية وأخرى انكفائية، ولكنها في الحالين ثورية وغالباً شبابية. فيما يلي أقدم مفتاحاً لحركة التاريخ أضعها تحت المجهر:
1. المجتمعات التقليدية عامة تعتمد دوافع الانتماء فيها، وبالتالي الحركة الاجتماعية، على قوى وراثية قبلية وإثنية وطائفية.
2. مع تحديث المجتمع بزحف الثقافة الحديثة تدخل عوامل انتماء أيديولوجية وطبقية وظفتها قيادات سياسية في اتجاهات مختلفة مثل الستالينية والهتلرية، اتجاهات ركبت على عوامل الأيديولوجية والطبقية سناناً حادة.
3. في المجتمعات العربية الحديثة دخلت سبعة عوامل ذات تأثير بالغ في الحركة الاجتماعية هي: (أ) ضخامة نسبة الشباب في التكوين السكاني، (ب) نسبة العطالة العالية في أوساط هذا الشباب، (ج) تطلع المرأة للتحرر من الاضطهاد، (د) الإعلام الذي تحول من عمودي يوجهه الحكام إلى أفقي عبر التويتر والفيسبوك والواتساب، (هـ) الفضائيات التي روجت لثقافات عابرة، (و) انتشار منظومة حقوق الإنسان، و(ز) تأثير الهجرات الكثيفة على مجتمعات الوطن الأم والهجرات منه إلى الغرب. هذه العوامل يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي لرفد التنمية البشرية والنهضة إذا وجدت قيادة مدركة لها لتوظيفها إيجابياً. ولكن هذه العوامل نفسها يمكن أن ترفد حركات تقدمية تلقائية مشدودة للأمام أو حركات انكفائية حماسية مشدودة للوراء.
4. حركات الشارع الربيعية حركات ثورية نحو بناء المستقبل على أساس تقدمي، وحركات الغلو الداعشي حركات ثورية مشدودة نحو ماضٍ مثالي يراد إحياؤه.
5. الحركات الربيعية لا يمكن تصور انبعاثها من عوامل محلية فحسب، بل تستصحب مفاهيم وتقنيات وافدة. فقبل أفغانستان لم تكن القاعدة، وقبل احتلال العراق لم تكن داعش. حركات الغلو والعنف المصاحب له تستمد كثيراً من حوافزها وتقنياتها من عوامل وافدة. إنها الجناح العسكري من حركة الشارع. يفرق بينهما أن حركة الشارع مدنية ومشدودة للأمام، وحركة الغلاة خشنة ومشدودة للوراء، ولكن كليهما يعتمد على حماسة القوى الاجتماعية الجديدة.
6. القيادة السياسية المجدية في أية مرحلة تاريخية ليست صدفة، ولا تحكمها أدوات القهر ولا عشوائية الوراثة، بل تبرزها غيبياً العناية، أو وضعياً التماهي مع المرحلة التاريخية. بخلاف ذلك فإنها تظل غائبة ويظل مكانها شاغراً حتى إذا احتله المتطفلون.
7. المتطفلون يتعاملون مع القوى الاجتماعية الفاعلة سيما الجديدة بالوسائل الأمنية، كما فعلت الإمبريالية في وقتها ولكن دون جدوى. القيادة التي تشاؤها العناية أو مطالب التاريخ هي المؤهلة لتلبية النداء، ولكن لكيلا يكون الأمر مبهماً فإن هذه القيادة المنشودة تتطلب الوفاء بعوامل ذاتية هي المصداقية والكاريزما، وعوامل موضوعية هي في هذا الظرف التاريخي تحقيق شروط حقوق الإنسان الخمسة للناس: الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام، وتلتزم بصدقية منهج يشبع خمسة مطالب هي:
• معادلة للتوفيق بين مطلبين موضوعيين هما التأصيل والتحديث.
• حوكمة تحقق مطالب الحكم الراشد الأربعة: المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون.
• اقتصاد يحقق مطالب التنمية والعدالة الاجتماعية.
• تحقيق معادلات موزونة بين الولاء الوطني والولاء الإقليمي والدولي الأوسع.
• الدفاع عن المصالح الوطنية وحماية استقلال القرار الوطني.
ما لم تتحقق هذه المطالب فإن الدول المعنية سوف تظل هشة، وبالتالي مغرية للثورية التقدمية والثورية الانكفائية، ومسرحاً لأجندات الغزاة.