قلبت ثورة ديسمبر موازين القوى والأمور، فصار الجرذان يمشون في الشوارع برؤوس وأيدي مرفوعة، وعيون ووجوه وصدور مفتوحة، بينما القطط السمان تلوذ بالجحور، ليس فقط لأن الشحوم التي اكتنزتها بالسحت والمال الحرام عاقتها عن الحركة، ولكن لأن القطط القمّامة التي اعتادت على أن تقتات من المزابل لا تقوى على النزال، فمن يعيش عيشة سهلة يترهل عضويا وفكريا ولا طاقة له بالنشاط والحركة والفكر والابداع، واضطرت القطط المترفة المترهلة الى الاستعانة بالرجال الوطاويط ليتصدوا للجرذان التي أخافتهم، وشيئا فشيئا صار الوطاويط أيضا يهربون من الجرذان، وبعضهم يترك سرواله خلفه كما الضب الذي يتخلص من ذيله لتضليل من يطاردونه.
واتضح من خطرفات القطط الضالة أن أكثر ما يرعبها هو الهتاف الجرذاني: أي كوز ندوسو دوس، فقد باتوا موقنين أنهم الى فناء وزوال، ويريدون أن يضمنوا لأنفسهم البقاء خارج القصور الى استحالت الى جحور، دون ان يتعرضوا للدوس، حتى ينعموا بالغنائم والأسلاب التي جمعوها عبر السنين، على أمل العودة الى السطح والمقدمة ولو بشكل ولون واسم آخر، وهذا فن برعت فيه تلك القطط فهي تغير اسمها ورسمها ومبادئها كل بضع سنوات.
والهتاف الجرذاني الآخر الذي يبعث الرعشة في أوصال القطط المرعوبة هو “تسقط بس”، لأنه يعني ان الجرذان ليسوا من الصنف الذي يبيع مبادئه بالمناصب، كما فعل الذين انشقوا عن احزابهم وصاروا كائنات طفيلية تعيش على فتات ما تتركه القطط السمينة في المزابل، وهكذا أثبت الجرذان أنهم لن يقعوا في فخ الحوار، الذي يقود الى كوار، ما لم يكن بشرط واحد: تخرج القطط من المسرح نهائيا وتقوم بتسليم مفاتيح البلد لمن قلبهم على البلد، ثم تخضع للمحاسبة الصارمة.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإنني اعتقد انه قد حان الأوان للانتقال من مرحلة الهتافات المنغومة التي جاءت عفوية وقوية منذ اليوم الأول للثورة، الى هتافات محددة تعبر عن المطالب والتطلعات؛ وبما هو مطلوب اليوم وغدا، وقد لاحظت أن المظاهرات تخلو من قيادات ميدانية دورها توحيد الهتاف حتى لا تردد كل كتلة بشرية في نفس الموكب هتافا يختلف عما تردده المجموعات الأخرى، فمن الضروري ان يتحرك المتظاهرون ككتلة واحدة وأن يرددوا نفس العبارة في تناغم وتوافق، ولهذا من الضروري أن يتوقف من هم في مقدمة الموكب كل بضع دقائق حتى تلتحم بهم الصفوف الخلفية، وتختفي ظاهرة المئات الذين يسيرون في ذيول المواكب دون المشاركة في الهتاف لأنهم بعيدون من مركز المظاهرة.
بل المطلوب ان تكون هتافات كل موكب مكتوبة ومتفقا عليها بين من يتولون القيادة الميدانية، ولا يعني هذا أن تقوم جهة ما بتعيين او تكليف أشخاص محددين بقيادة التظاهرات، بل يعني أن هناك وفي كل مظاهرة أشخاص متمرسون يشاركون في الحراك بانتظام، وعلى من يأنس في نفسه القدرات على صوغ الشعارات/ الهتافات يقوم بإعدادها بالتشاور مع آخرين، ثم يتولى ترديدها بنفس الصيغة ثلاثة أو أربعة أشخاص موزعون على مقدمة ووسط ومؤخرة الموكب.
ما علينا انهم يسمون أشرف طلائع بلادنا بـ “الجرذان”، فـ العارف عزه مستريح (وهذه ليست آية قرآنية يا أصحاب الدولة الرسالية)، وأتمنى ألا ينزلق الثوار الى لغة الكيزان السوقية، وأن يكف بعضهم عن الشتم والسباب الشخصي بحق أي كوز أو بوق للكيزان خصوصا ما يتصل بالعورات، وليكن شعارنا أنه لا يليق بحر أن يتلاسن مع ساقط ومرشح للمزيد من السقوط. عليكم فقط بـ “تسقط بس” والتذكير بالدوس الذي ينتظرهم كي تتخلخل مفاصلهم.