حتى أحمد عبدالرحمن (يولول)، ويتحدث عن حرب أهلية، ويحكي – على استحياء – عن (أخطاء) ارتكبتها حركته على مدى ٣٠ سنة. يتحاشى تسمية الأشياء بمسمياتها: الانقلاب لم يكن مجرد خطأ. قتل (مجدي) و(التاية) وضباط رمضان لم يكن خطأ. التمكين لم يكن خطأ. بيوت الأشباح لم تكن خطأ. ذبح مئات الآلاف في جنوب السودان ودارفور وجنوب كردفان وبورتسودان وكجبار والمناصير لم تكن خطأ. السنهوري وعبدالعظيم وسارة والطيب صالح ليسوا خطأ. (الصالح العام) لم يكن خطأ. تغيير كل شىء في التعليم = التجهيل لم يكن خطأ. (كتائب الظل) لم تكن خطأ. إطلاق يد (الأمن) ليفعل ما يشاء لم يكن خطأ. الاستحواذ على كل اقتصاد الوطن لم يكن خطأ. محاولة تغيير هوية وطن بأسره لدرجة استقلال جزء منه ليست خطأ. استضافة كل إرهابيي العالم ليست خطأ. جعل حرب الجنوب (جهادا) لم يكن خطأ.
كل تلك، وغيرها، اسمها (جرائم)، جرائم كبرى في بلد كان نشازا عن محيطه في عدم التنكيل بالمتأسلمين
وهم – في غالبيتهم – الأعلى صوتا بالحديث عن مخاطر الإقصاء الذي مارسوه ٣٠ عاما. مارسوه بالسحل والتعذيب والقتل والإفقار (المتعمد). أحمد عبدالرحمن يعي جيدا كم (كفاءة) سودانية طُردت من خدمة الوطن، ويدرك جيدا كم الانتهاكات التي جرت تحت إشراف (المكتب السري)، أو (مكتب المعلومات) الذي أضحى كل شىء. يعلم جيدا عن سيّد (كتائب الظل) وما يفعله (كبير البصاصين). وقرأ اعترافات (ياسين عمر الإمام) عن عجزه عن دعوة أحفاده للانضمام للحركة المتأسلمة !
يعرف أن (اخوانه) وصلوا السلطة في حال، وهم – اليوم – في حال: قصور ورياش. من أين لكم هذا وشعبكم يتضور؟
(النظام) الآن يقدم وجوها جديدة عوض (بلادي سهول)، و(كتائب الظل)، و(الساتلايت)، و(شذاذ الآفاق)، و(شذاذ الآفاق)، و(قطع الرؤوس)، و(لحس الكوع).
أحرص على حضور حلقة (وزير الإعلام) مع (أستاذنا) فيصل محمد صالح. الأول (يتذاكى)، ولا يبارح محطة (أركان النقاش)، و(الأستاذ) يتحدث بحرقة عن بلد يهواه. والمفارقة، أن الأول وزير إعلام في وطن أنجب الثاني. إن المرء ليستحي فعلا أن يكون وزير إعلام – منتخب – في بلد فيه فيصل محمد صالح.
ووزير الإعلام يرغب في (إقصاء) الشيوعيين عن (كل المشهد) !
الشيوعيون هؤلاء – للغرابة – يشكلون قسما مقدرا من الوجدان السوداني، خاصة في شق الثقافة والفنون، جنبا إلى جانب (الأنصار)، فقسم مقدر من أغنيات (الحماسة) السودانية تعود للأنصار، الذين طغت حتى الأزياء التقليدية لديهم على ثقافة (الملابس) عند الشباب: العلى الله
والشباب – غير المسيسيين – في الشارع يعرفون محجوب شريف وحميد وأبوعركي البخيت ومحمد وردي و(الشعب حبيبي وشرياني) أكثر بكثير من أناشيد (الجماعة)
والوزير يريد أن يقول إن الثورة خلفها الحزب الشيوعي فقط، في خطاب مقصود تماماً، ويغفل أن (أحبابه) السابقين في وسطه وأن (صفية الفضل عبدالحميد) تُعتقل ويُنكل بها، ويعرف جيدا كم من أسماء جيله – أُمسك عن جلّها لأسباب أمنية – هم في الشارع الآن. يغفل أن (محمد فاروق) في السجون، هو و(عمر عشاري) و(محمد ناجي الأصم) و(جعفر خضر) الذاهب الآتي من المعتقل والمحاكم !
وزير الإعلام (يتغافل) أن الشخص الوحيد في السودان كله – حسب كتاب حسن الجزولي: عنف البادية – الذي كان يبحث عن عبدالخالق محجوب في يوليو ١٩٧٠ لحمايته، كان هو الأمير عبدالله نقدالله (الأب)
ويقول إن حزب البعث لا وزن له. حسنا اطلقوا سراح الصديق، محمد خليفة طالما هو دون تأثير !
هل تم اعتقال عمر الدقير طيلة هذه المدة لأنه (شيوعي)؟
وهل (ناظم سراج) بعثي؟
هل (منسوبو المؤتمر الشعبي) الذين تلقوا الرصاص في بطونهم ..(شيوعيون)؟
هل (الشهيد) أحمد الخير يساري؟
و(جوقة) من المتأسلمين يرددون حديث الإقصاء !
ويصورون المعركة وكأنها معركة بينهم وبين الشيوعيين !
الشباب الذين خرجوا لا تهمهم أي (أيدلوجيا)، لا (فائض القيمة) ولا (أماه لا تجزعي)، يهمهم فقط أن يكون وطنهم (علما بين الأمم)
الأيدلوجيا سقطت، وصعدت الخدمات
والذين أقصوا (كل) الناس ٣٠ سنة يولولون الآن من (كل كوز ندوسه دوس). والذين يهتفون بهذا لم يمسوا أحدا منهم، ولا رغبة لهم في ذلك.
إنهم يشتاقون فقط لوطن الحرية والسلام ودولة القانون
بعض الأصدقاء يكتبون لي: اكتب عن حسين خوجلي أكثر. ردي: لا يستحق أكثر من ذلك
حتى وزير الإعلام لا يستحق أكثر من ذلك
(فزاعة) هذا الحزب أو ذاك انتهت للأبد. والثوار اليوم همهم الوطن وليس سواه