انتشر في الآونة الأخيرة قيام بعض من يعودون المرضى من الأصدقاء أو الأهل ممن لزموا سرير المرض في بيوتهم أو في المستشفيات بالتقاط صور معهم ونشرها فى مواقع التواصل الاجتماعي. وبحكم عملي الوظيفي بمستشفي الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث مستشاراً قانونياً وعضواً فى لجنة الأبحاث الطبية وأخلاقيات المهنة مدة من الزمن أود أن أوضح أن في ذلك انتهاكاً لخصوصية المريض، وهو أمر غير مستحب ومخالف للقوانين والشرائع.
ومع أنني سبق أن كتبت حول هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي فى وقت سابق، إلا أن ما أطلعت عليه من يومين من صورة وتعليق حول شخصية عامة فى غرفة العناية المركزة أنزلها أحد أصدقائه استفزني بشكل غير مسبوق، فرأيت أن الواجب الديني والمسؤولية المهنية يقتضيان أن أنبه إلى مدى خطأ مثل هذه الممارسة من الناحيتين القانونية والشرعية، مع أنها تأتي من باب حسن النية، وبشكل عفوي.
لا يخفى على كل ذي فطرة سليمة أن المريض يكون عادة في حالة نفسية تشعره بالضيق والحرج من بعض الأمور التى تبدو عادية للشخص المعافى، لذا نظم الشرع والقانون المسائل المتعلقة بحقوق المرضى وواجباتهم، كما نظما علاقتهم بالزوار والمتعاملين معهم؛ بما يضمن خصوصية المرضى، وراحتهم، وضمان سرية المعلومات الخاصة بهم.
إن قوانين حقوق الإنسان الدولية والقوانين واللوائح التي تصدر عن الدول تضع في سلم أولوياتها حقوق المرضى وخصوصيتهم ، ومن ثم تمنع الاطلاع على ملفات المريض وتقاريره، أو على خطة علاجه، ما لم يكن جزءاً من الفريق الطبي المعالج، أو نائباً عن المريض في الحالات الحرجة التي لا يستطيع فيها اتخاذ القرار بنفسه لشدة مرضه، أو لعلة في أهليته القانونية، فينوب عنه فيها وليه الشرعي.
أما الأمر الآخر اللافت للنظر في مجتمعاتنا السودانية، فإن معاودة المريض بقدر ما هي أمر حميد، ومطلوب للتخفيف عن المريض، والدعاء له بالشفاء، فإنها فى الوقت ذاته أمر مزعج ومنتهك للخصوصية.
إن زيارة المريض والدعاء له من السنن المؤكدة لما روي عن ذلك من أحاديث كثيرة متواترة، منها ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عاود مريضاً، أو زار أخاً له فى الله ناداه مناد أن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعود بعض أهله يـمسح بيده اليمنى، ويقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ النّاس، اذْهِبِ البَاسَ، واشْفِ أَنْتَ الشافي، لا شِفاءَ إلا شِفَاؤُك، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمَا) أو يقول سبعاً : (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك).
إن تحقيق الغاية من هذه السنة الحميدة والمطلوبة هى التزام القوانين واللوائح وآداب الزيارة، التى تحمى خصوصية المريض التى يمكن تلخيصها بشكل موجز فى الآتي:
– استئذان المريض أو أهله للتأكد من أن حالته تسمح بالزيارة.
– يفضل إخطار أهل المريض، ومصاحبة أحدهم أو الطاقم الطبي عند الدخول على المريض.
– عدم إطالة الجلوس، فالمريض قد يكون في حاجة إلى الراحة، أو ضيق من المرض، أو يفعل ما لا يجب أن يطلع عليه الآخرون.
– الإكثار من الدعاء، وذكر ما يرفع من معنويات المريض، بعيداً من ذكر حالات مشابهة، وما ترتب عليها من نتائج سلبية، ولا بأس من ذكر أمثلة إيجابية.
– عدم النظر المتواصل إلى وجه المريض، والتدقيق فى السؤال عن تفاصيل مرضه، وخطة العلاج.
– عدم التدخل فى خصوصية المريض، والإكثار من الأسئلة، أو لاطلاع على ملفه الطبي، أو تصوير المريض، خصوصاً الحالات الحرجة، مثل: غرف العناية المركزة.
ومن باب الإهتمام بخصوصية المرضى، فإن المستشقيات تحرص على التثقيف بحقوق المرضى، وتلزم القوانين وضع لوحات توضح حقوق المرضي تعلق فى عدد من المواقع يمكن للجميع الاطلاع عليها.
إن التثقيف الصحي حول حقوق المرضى أصبح جزءاً من المادة التثقيفية الملزمة بواسطة منظمة الصحة العالمية، ومنظمات الصحة الإقليمية، ووزارات الصحة فى البلدان. وعلى سبيل المثال، قإن هيئة حقوق الإنسان فى المملكة العربية السعودية وضعت برنامجاً خاصاً بتوعية المرضى المتضررين من نشر صورهم، وتوجيههم بالتقدم بالوثائق إلى وزارة الصحة؛ لإيقاف هذه الممارسة، مع حق رفع الشكاوى إلى هيئة حقوق الإنسان فى حالة عدم تجاوب الوزارة.
نسأل الله أن يهدينا، ويوفقنا والجميع في طريق الخير، والحفاظ على خصوصية المرضى، التزاما بالشرع والقانون والخلق الإسلامي القويم.
المستشار البشري عبد الحميد