منذ يومين وصحف الخرطوم تبشرنا بأن أزمة الخبز في طريقها، للحل لأن الجيش المصري تكرم مشكورا وارسل بعثة عسكرية لإقامة مخابز في السودان، لأن ذلك الجيش – اسم الله عليه – حل المشاكل التموينية في مصر، ونما الى علمه أن السودانيين لا يعرفون كيف يشيدوا المخابز، أو ربما لم يسمعوا باختراع الرغيف، وهذا الجيش المصري الذي يأتينا بالخبز والخبرة اللازمة لإعداد الخبز، هو الذي استورد القمح الفاسد قبل أشهر قليلة، ولما افتضح أمره أعلنت مصر عن تبرعها بشحنات من الدقيق للسودان، ولما علت احتجاجات الراي العام السوداني أعلنت حكومتنا أن الدقيق يخضع للفحص، وعلى مسؤوليتي فإن ذلك الدقيق بدأ يتسرب سلفا الى الأسواق السودانية بعد إعادة تعبئته.
الجيش السوداني الذي يتعرض للإهانة تلو الإهانة، وهو نفس الجيش الذي رابط لسبع سنوات في جبهة قناة السويس لمشاركة الجيش المصري في التصدي لأي عدوان إسرائيلي، وهو الجيش الذي منع جيش عبد الكريم قاسم العراقي من غزو الكويت عام 1961، وهو الجيش الذي خاض معارك باسلة في ليبيا لمنع تقدم القوات النازية صوب مصر، خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الجيش الذي هزم الطليان في معركة كرن في إريتريا عام 1941، وهو الجيش الذي وفر الحماية لأهل لبنان في أحلك ظروف الحرب الأهلية (1976)،
وعندما طلبت فرنسا عام 1863 من خديوي مصر النجدة في الحرب التي كانت تقودها في المكسيك لم يجد الخديوي أفضل من أورطة سودانية بقيادة البكباشي جبر الله أفندي، واستبسلت الأورطة في القتال حتى قال عنها قائد القوات الفرنسية في المكسيك «لم أر من قبل في حياتي ثباتاً في المعارك مثل ثباتهم، إن شجاعتهم لا تصدق، إنهم ليسوا ببشر إنهم أسود». واستقبل امبراطور فرنسا نابليون الثالث والخديوي محمد سعيد الأورطة وكرموا أفرادها.
هذا هو الجيش الذي يفترض ان المشير البشير ينتمي اليه فإذا به يعرضه للإذلال، بأن يكلفه بتنسيق نشاط الجيش المصري في صنع الخبز في البلاد، وكان قبلها قد نقل سلطات وصلاحيات الجيش لمليشيات الدعم السريع، ثم أرسل عدة كتائب منه الى اليمن بزعم أنها تشارك في حماية الحرمين الشريفين، ولا ندري متى تم نقل الحرمين الى تعز والحديدة، والمحزن أن الجنود السودانيين في اليمن ليسوا مشمولين ببنود اتفاقية جنيف حول معاملة أسرى الحروب، وليس هناك ما يلزم الطرف الذي يأسرهم بمعاملتهم معاملة إنسانية لأنهم ليسوا “طرفا” في حرب اليمن بموجب بنود تلك الاتفاقية.
نفس هذا الجيش الذي يتعرض للإهانة هو الذي قرر البشير ان يتخذ منه ملاذا آمنا لحكمه، فأتى بـ 18 جنرالا انتهت صلاحيتهم وجعلهم حكاما على أقاليم السودان، في ظل قانون الطوارئ، ولم يكن مستغربا أن يحُك أحدهم رأسه لإثبات وجوده، ولفت نظر البشير في الخرطوم، سوى أن يعلن أن كل من يبلغ عن شخص يكتب “تسقط بس” في جدران مدينة نيالا سينال مكافأة قدرها 10,000 جنيه.
(فرصة يتفقوا عشرين شخص على الذهاب الى نيالا وأن يقوم عشرة منهم بكتابة “تسقط بس” على الجدران ويبلغ عن كل واحد منهم واحد من العشرة الآخرين وتحصل المجموعة على 100,000 وتتقاسمها بعد ان يخرج العشرة الذين تم الإبلاغ عنهم من السجن بعد قضاء شهر فيه، وهكذا يتم ضرب عصفورين بحجر).
الجيش الذي يحتل حلايب وشلاتين هو الجيش الذي ترحب به حكومة البشير كي يخرجها من زنقة انعدام الخبز، مما يعني أن قناع الحياء قد سقط تماما عن الحكومة وفي سبيل بقائها مكنكشة في السلطة فإنها مستعدة لبيع حتى كرامة الوطن وسيادته، ولهذا يجب أن تسقط بأسرع ما يمكن، ففي حالة الهلع والجزع التي تعيشها فإنها لن تتردد في تشليع وتشليح ما تبقى من الوطن، وما زالت فضيحة بيع ميناء بورتسودان الجنوبي لشركة فلبينية تزكم الأنوف، ولا أظن أن بلدا غير السودان وجد في الفلبين خبرة لإدارة حتى موقف تاكسي.
في 6 إبريل 1985 انتصر شعبنا على ديكتاتورية عسكرية وشرع في بناء نظام ديمقراطي سرعان ما انقض عليه البشير وصحبه وأسسوا لنظام فاسد وعصابي. وليكن السبت المقبل الموافق الذكري الـ 34 لانتفاضة إبريل يوم كتابة شهادة وفاة هذا النظام، وأمانة في رقبة كل ذي حس وطني أن يعمل على ان تكون مسيرات السبت المقبل مزلزلة لكيان نظام مهلهل، لتعجل بدفنه.
وليكن دعاؤكم: اللهم بلغنا رمضان بدون كيزان !