في حياتي، عرفت، عن كثب ضباطا كثر، متقاعدين وفي الخدمة
جلهم كانوا في قمة الوطنية والنزاهة و(الشرف العسكري)، وقلة قليلة كانوا مع (أيدلوجيا) الإنقاذ، لا فرق بينهم وبين (الأمن الشعبي)
ابن عمي، الملازم أول، يحيى سيدأحمد، ابتلعته حرب الجنوب. وبعد أن طوت صفحاتها الدامية، لم أترك صديقا في الحركة/الجيش الشعبي إلا وكلمته، إن كان يحيى أسيرا، فإن الأسرة ترغب فقط في معرفة ذلك. وهم لم يقصروا البتة. لكن يحيى كان قد ذهب بعيدا. ابتلعته الحرب
أسرتي الكبيرة قدمت فلذتي كبدها: بابكر النور وعبدالمنعم كرار، والفاصل بينهما ٢٠ سنة بالتمام !
وكلاهما من (الخندق) حيث أهل والدتي، يتوزعون بين القولد والخندق وملواد ورومي البكري
عرفت ضباطا آخرين – من الأسرة -، وهم كانوا كما يقال عن (الجيش السوداني): من يتكحلون ب(الشطة)
ربما الجيش مثل مؤسساتنا السياسية والعدلية والمدنية: في حاجة لعمل كبير يقوم به أهل الخبرة لكيلا تتكرر مآس عظيمة، وليؤدي دوره على أكمل وجه
لكنه جيشنا
حامي الحمى
الذي تتوجه إليه العقول والقلوب
لم يكن غريبا أن يحظى ضباط الجيش وضباط صفه وجنوده بذلك الاحترام الفائق في كل مكان لولا أن الشعب ينظر إليه بهذا الشكل
سياراته تمر وسط المتظاهرين فلا يجد جنوده – على متنها – سوى الاحترام، بل والمحبة
يُعزل بعض ضباطه لأنهم ليسوا راضين عما يجري، ولم يكن هذا (قسمهم)، فيرفعهم الشعب إلى مصاف الأبطال
وثلة من أوائل الشهداء كانوا ضباط (رمضان) ١٩٩٠
الذين لم يُعرف لهم قبرا حتى الآن، لكن، أصبحت قبورهم: صدر كل شريفة وشرف
الجيش لم و(لن) يطلق رصاصة واحدة في صدر الشعب السوداني، طوال أيام الثورة
الجيش لم يقمع
الجيش (زأر) في السلاح الطبي، وبورتسودان، والقضارف، وعطبرة
وكان مجرد ظهور مركباته كفيلا بأن تختفي (طيور الظلام)
وفي ١٩٨٥ (٦أبريل) صنع جنرالاته العجب
انحازوا للشعب بشكل تام: إنهاء حكم نميري، وتسليم السلطة للشعب
وكان هتاف الشعب: شعب واحد، جيش واحد
و(الإنقاذ) منذ أن أتت حاولت تدمير كل القوى الحية: مؤسسات التعليم والقضاء والأحزاب والنقابات والجيش
حاولت (تهميش) الجيش بميلشياتها
برواتب ومخصصات أعلى
وهي حاولت إهانة الجيش مرارا وتكرارا
لكن كرامته تظل أعظم
وتكفيه ثقة الشعب فيه
وضباطه وأفراده، ما عدا قلة قليلة، مثلنا: يكابدون شظف العيش، وضعف الرواتب، والتقليل من الشأن
يرون كيف تغدق الأموال على الميليشيات، فيما الجيش يعاني
ومواكب ٦ أبريل تتوجه للجيش تحديدا
الجيش لا غيره
لا طلبا للحماية، ولا رهقا من قمع (الأجهزة)، ولا الدماء
بل، طلبا للانحياز التام
مثلما فعل في ١٩٨٥
هل من عسكري لم يشاهد رفيقه وهو (يعمّر) سلاحه حين اقتحم (الرباطة) منزله، وهو يزأر: أنا ضابط جيش!!
هل من عسكري لم يسمع عن حادثة بورتسودان حين أُهين) ضابط في الجيش، واستدعى ذلك أن (تدوي) الدوشكا في الشوارع، ليهرب المعتدون لا يلوون على شىء، وتفرغ المدينة من البصاصين الذين لا يرعون إلّا ولا ذمة؟
الشعب الذي يتوجه للقيادة العامة للقوات المسلحة – السبت – يُدرك أن ضباطه وجنوده إنما أقسموا ليحموا هذا التراب، والأهم من ذلك، الشعب السوداني
هم شاهدوا مثلنا كيف ارتقى عبدالعظيم وأحمد الخير
كيف انتهكت حرمات البيوت
كيف أحسّ كل بيت سوداني القمع والظلم
والآن تتوجه المواكب إليهم
لا ل(الجهاز)، ولا (الأمن الشعبي)
والشعب إذ يتوجه إلى هناك إنما يضع مسؤولية وطنية وأخلاقية كبرى على كل فرد في الجيش
الشعب هو مصدر السلطات، لا أي (جهة) أخرى
والشعب والجيش، كلاهما تابعا (الجنرال أحمد قائد صالح) في الجزائر
لم تمض سويعات حتى أعلن (المناضل)، مناضل (جبهة التحرير) استقالته
الجيش الجزائري كان واضحا: فورا
الجيش ذهب مع إرادة الشعب
والسبت، (جيشنا) يُختبر
نعلم أن الأوامر (العليا) صدرت بغلق كل الطرقات المؤدية للقيادة
كما نعلم أن الجيش في قيادته يخشى حدوث أي (شرخ) بينه وبين الشعب
و(رمزية) الزحف نحو القيادة طلبا للانحياز في سلمية تامة وصلت منذ الآن لكل جندي وكل صف ضابط وكل ضابط في قوات (الشعب) المسلحة
والجيش سيراقب بكل دقة
سيراقب كل مسيرة، كل فعل، كل (همسة)
أي اعتداء على المواكب (السلمية)، سيكون (إهانة) لشرفه العسكري
و(السبت) يوم آخر على طريق الثورة
ليس منتهاها
المنتهى أن نشهد (فجر) السودان
بما في ذلك، جيش يمتلك كل أدوات الانتصار، جيش مرفوع الرأس مديد القوام
جيش يحوز s400 وF 35
جيش تتعدى رواتبه الفتات وبقايا الميليشيات
مثلما نريد أن نرى وطنا حرا، وخدمات على أعلى مستوى، وإنتاجا عظيما، ووطنا يُبنى بعزم بنيه
أيها (المكحلون بالشطة): المواكب قادمة إليكم في أعظم تلاحم بين الشعب وجيشه