إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فــلا
بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا
بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
نثق تماماً أن هذا الشعب العبقري الذي سبق ما يعرف
الربيع العربي بربيعين كانا يستحقان هذه الصفة، لسلميتهما، ولتمهيدهما للحياة
الديمقراطية، التي وأدها في المرتين طلاب السلطة، الذين لا يقدرون حق الشعب في
الحرية والعدالة الاجتماعية.
تمضي ثورة الشعب السوداني هذه المرة على نحو محير
للعالم كله. شباب يفتحون صدورهم للرصاص الحي، ويمارسون فداء الوطن بالفعل لا
بالقول والأناشيد الحماسية.
يخرج الواحد منهم من منزله لا يعرف عما إذا كان
سيعتقل، أو يُضرب بالبمبان، أو يصبح رقماً في قائمة الشهداء. ويقدم الثوار مشاهد
لا يمكن أن تكون إلا في أفلام الخيال، شاب يفقد كفه بالبمبان، فيكتب: يا جماعة يد وراحت،
الوطن يستحق أكثر.. امضوا في ثورتكم.. الانتصار مهر الشهداء وكل من أصابه سوء.
فتاة لم تخش البمبان الذي أفقد غيرها أطرافهم، فتمسك به، وتعيده على من رموا به.. أمهات الشهداء وأخواتهن يتقدمن المواكب بزغاريدهن، لبث الحماسة في الثوار.
إن هذه الثورة أميز ما فيها أنها أخرجت أجمل ما في
السودانيين، وأثبتت أنهم يذوبون حباً في هذا الوطن، ولا حقيقة لمقولة إن
السودانيين يحبون بعضهم، ولا يحبون وطنهم. والدليل أن السوداني الذي ولد ونشأ
وتحدث بغير لغة أهله يخرج في تظاهرات في مهجره، ومستعد لتقديم كل ما يستطيع من أجل
هذا الوطن.
طاقة جبارة ولدتها هذه الثورة، ويجب أن تكون زاداً
لسودان المستقبل، عبر آليات تضمن استمرار هذه الطاقة، وتوظفها.
وها هي ذكرى 6 إبريل تطل علينا والثورة في شهرها الرابع بأداء أشبه إلى السيمفونية يغالب التعتيم الإعلامي والتجاهل الدولي وجهل الحاكمين الذين تحدوا هذا الشعب بقولهم: الراجل يجي يقلعه (أي الحكم) منا بالقوة.. وعندما أكد لهم الشعب أنه حي لا يموت، أصبحوا يتذللون، ويغازلون شيبه وشبابه بالوعود، في سلوك يؤكد أنهم لم يفهموا بعد هذا الشعب، حتى حق أن نكرر في كل آن مقولة أديبنا العالمي الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟
إن العالم كله تتجه أنظاره إلى موكب الغد في الذكرى العظيمة، يوم تزحف جموع الشعب لتنال حقها المسلوب منذ 30 عاماً، لم يهنأ خلالها السودان بإنجاز يمكن أن يكون شفيعاً لهم.
يتقدم الشعب وهو متمسك بشعاراته: سلمية.. سلمية..
حرية.. سلام.. وعدالة إلى الشعار الذي حدد سقف الثورة منذ لحظاتها الأولى، وأغلق
اجتهادات الساسة ومناوراتهم، ونقصد: تسقط بس.
“تسقط بس” شعار يجمل موقف الأغلبية من النظام.. موقف أهل الوجيعة، الذين تحملوا عبء 30 عاماً، عاشوها على هامش الحياة في كل شيء.. ضيق العيش، والإقصاء، والمنع من أبسط الحقوق، وهو حق التعبير، وحق أن يقولوا: لا لكل ما هو غلط.
وأصبح من المهم أن يخرج من صمتوا طوال الأشهر الأربعة،
وأن يلتفوا جميعاً حول الهدف الرئيس وهو إسقاط النظام، وبدء مرحلة جديدة تتأسس على
قراءة متعمقة لأخطائنا التي قادت أن نكون فريسة لأطماع المغامرين، وحقلاً
لتجاربهم، وتتأسس –كذلك- على الدراسة الوافية لحقبة الإنقاذ الحالكة، والبحث عن أسباب
استمرارية نظام لا يملك إلا الخواء فكراً وممارسة.