عندما انتشرت الدعوة للخروج يوم السادس من إبريل في كل وسائل الاتصال الاجتماعي “Social Media ” خلقت هالة من الخوف وسط الإنقاذيين، وفي المقابل الآخر كانت دعوة الرئيس لأجتماع “اللجنة التنسيقة العليا للحوار” وهي لجنة صورية يتخذها البشير قاعدة لكسب شرعية يفتقدها نظامه السياسي، و هؤلاء كانوا قد منحوا الرئيس تفويضا علي بياض دون أي مساءلة. و كانت هناك معلومة قد انتشرت في الوسط السياسي، أن الرئيس لديه خطاب مهم يريد أن يستبق به موكب المعارضة، وكل الذين حول الرئيس كانوا لا يعلمون شيئا عن محتوى الخطاب، أو الموضوعات التي سوف يتطرق لها الخطاب، و تعددت التخمينات. لكن جاء حديثه داخل اجتماع ” اللجنة التنسيقية العليا للحوار” لا تحمل جديدا، مثل الخطاب الذي كان قد ألقاه في البرلمان الأسبوع الماضي الذي لا يحمل جديدا، و لا يعكس عمق الآزمات التي يعيشها النظام.
من خلال عناصر داخل القصر أن خطاب الرئيس كان مقررا، أن يتناول فيه الرئيس عددا من القضايا التي يعتقد إنها تحمل رؤية جديدة للحوار يتجاوز بها حالة الاحتقان في الساحة السياسية، لكن عددا من مساعدي الرئيس، الذين كانوا قد اجتمعوا من قبل، و قرروا أن يكون للرئاسة مبادرة جامعة تتضمن محتوى كل المبادرات التي كانت قد قدمت في الشارع السياسي ” مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم – مبادرة إدارة جامعة الخرطوم – مبادرة مجموعة 52″ إلي جانب إجراء اتصال بالقوي السياسية المختلفة، هؤلاء طلبوا من الرئيس أن يمنحهم الفرصة لعملية الاتصال مع القوى السياسية الآخرى، ربما تجعلهم يخطو خطوة إلي الأمام، ثم جاءت تقارير من جهاز الأمن و المخابرات تؤكد أن الشارع مهيأ حقيقة للخروج يوم السبت 6 إبريل، فطلب عدد من السياسيين من الرئيس أن يؤجل الخطاب لبعد المسيرة، باعتبار أن الشعب غير مهيأ لكي يسمع أي شيء الآن، إلا بعد خروج الموكب، و ما يفرزه هذا الموكب في الساحة السياسية، فتحول الخطاب إلي كلمة لافتتاح اجتماع اللجنة التنسيقية يحمل رؤس موضوعات مكررة و حتى ذكرها في خطابه قبل أيام في البرلمان، و هي موضوعات فقدت جاذبيتها باعتبار أن الرئيس استهلكها تماما دون أن يخطو فيها خطوة مفيدة مقنعة للآخرين، فالكلمة لا تعطي مساحة للحوار، هي شبه قرارات، عندما يقول أن الحوار سوف يكون في حاضنة رئاسة الجمهورية أي تحت سلطته. فتح حوار للشباب في مؤسساتهم و هيئاتهم، أي أن تكون مؤسسات الحزب الحاكم هي التي تدير هذا الحوار، و يقول سنعمل من أجل توسيع الجمعية العمومية للحوار لاستيعاب كل من يريد المساهمة و السلام، أي أن الرئيس هو الذي يدير كل شؤون الحوار و غيرها، وهي محاولة لتجاوز الشعارات التي يرفعها الشارع الذي ينادي ب ” تسقط بس” أن يرحل الرئيس أولا، قبل فتح أي فكرة للحوار. الرئيس حتى الآن غير قادر علي استيعاب ما يجري في البلاد، هذه تعكس شخصية الديكتاتور، الذي لا يستوعب مجريات الأحداث إلا بعد أن يفقد سلطته تماما، كما حدث لعدد من الرؤساء العرب في تونس – ليبيا – مصر و اليمن.
إن موكب السادس من إبريل التي دعت إليه المعارضة و يتقدمها ” تجمع المهنيين” قد بثت الخوف في قيادات الإنقاذ، و الذين بدأوا يلوحون باستخدام القوة واستنفار ملشياتهم، هذا التهويش بالقوة ليس دليل قوة بل هو يعكس حالة الهلع و الخوف وسط هؤلاء، رغم أن الشارع يؤكد شعار ” سلمية سلمية ضد الحرامية” والحرامية كل الذين أفسدوا واستغلوا ثروات البلاد لمصالح شخصية، إذا كانت الإنقاذ تملك رصيدا في الشارع كانت قد خرجت به، كما كانت تفعل سابقا، و تحشد الناس بالقوة، و أخذهم من أماكن عملهم، و استخدام أموال الدولة في الحشد، فالاقتصاد ما عاد يتحمل مثل هذا الصرف، و حتى الشارع بسبب ثورته المستمرة لآكثر من ثلاثة شهور، أصبح واعيا لحقوقه، لذلك لم يبق لقيادات فقدت قدرتها علي أداء الفعل، إلا أن تطلق الشائعات و شعارات التخويف التي ما عادت ترهب شخصا، بل تزيد النار اشتعالا، و قد أقدمت الإنقاذ و يقاداتها علي فكرة استخدام القوة و القتل بالرصاص الحي ضد المتظاهرين من خلال ما يسمى “بالملثمين” و لكنها لم ترهب غير الذين أخرجتهم لتنفيذ هذه المهمة، عندما بدأ الشارع يكشف عن هوية هذه العناصر، وأصبح الكل أن كان في الشرطة أو جهاز الأمن ينفي إنهم قد أقدموا علي هذه الفعلة، الأمر الذي يؤكد أن السلطة عاجزة تماما علي مواجهة الثورة بالقوة. فقوة إرادة الشعب علي التغيير هي التي سوف تنتصر.
حديث الرئيس في اجتماع اللجنة التنسيقية العليا، تؤكد تماما أن الرئيس في حيرة من أمره، فالرجل يبحث عن حل يبقيه في السلطة حماية له من “المحكمة الجنائية الدولية” و بالتالي يحاول أن يبحث عن مداخل مع القوى السياسية بأسم الحوار، و لكن القوى السياسية نفسها لا تملك حق منحه الحماية من المحاسبة، إن الرئيس ليس رجلاً ديكتاتوراً تتمحور قضيته في قضايا سياسية، أنما الرجل متهم بقتل عشرات الآلاف من المواطنيين العزل، وفساد كبير، حيث تبلغ أموال الدولة التي تم الاستيلاء عليها و تحويلها لمنافع خاصة عشرات المليارات من الدولارات. فهي فوق أن تتحملها طاقة الشعب. فالخروج أصبح حق عين حتى يسقط النظام. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com