بعد الترحم على شهداء الثورة والدعاء بالشفاء لكل الجرحى والمصابين، نزجي التحية لشبابنا الصامد والصابر والذي فهم ان التغيير لن يتم الا بسواعده وتضحياته فأبلى بلاء حسنا وضحى بالعرق والدماء والانفس حتى وضع البلاد على مشارف التغيير. التحية لقوي الحرية والتغيير التي استطاعت ان توحد الوجدان والهدف والطريق حتى الوصول لذروة سنام الثورة بالاعتصام الذي لم تستطع آلة النظام الباطشة ان تمنعه من الإطاحة بنظامها الغاشم الفاسد. وبإذن الله سيواصل الشباب الملهم ثورته محروسة بإرادة التغيير حتى تحقق كل أهدافها المنصوص عليها في وثيقة الحرية والتغيير.
وبالتأكيد ستكون المرحلة القادمة هي للبناء والتطوير وإصلاح ما أفسده النظام المخلوع ونتوقع ان يدلوا كل بدلوه حسب تخصصه وخبرته، لذلك اريد ان أشارك في هذه المساحة حول رؤية الإصلاح في مؤسسات التعليم العالي والذي انتمى اليه منذ التخرج في أواخر ثمانينات القرن الماضي في النقاط الاتية:
اولاً: حجم الضرر الذي لحق بالتعليم العالي ومؤسساته
- في محور الطلاب تم استهداف الاستقرار في الدراسة والعيش الكريم عبر مصادرة الداخليات وتسليمها لمؤسسات التمكين (صندوق دعم الطلاب) لتركيع الطلاب وترويعهم واستلاب ارادتهم، علاوة على الرسوم الدراسية التي تزداد يوما بعد يوم حتى اثقلت كاهل أولياء الأمور وتلي ذلك فرض نظام القبول الخاص الذي أضاع هيبة التعليم.
- في محور السياسات تم توسيع رقعة التعليم جغرافيا برؤية جامعة لكل ولاية دون حشد إمكانيات للجامعات ومعينات تحقق لها الأهداف، انتشارا جغرافيا غير مدروس وغير ممنهج فأصبحت المدارس الثانوية في حنتوب وخورطقت وبورتسودان وكسلا ودنقلا والفاشر وغيرها هي الجامعات ففقدنا مدارس مؤهلة وكسبنا جامعات متواضعة في بنياتها وخاوية على عروشها. وللأسف فان كثافة الطلاب فقط في الجامعات القديمة وعدد محدود من الجامعات الحديثة.
- توزيع غير مدروس للتخصصات بحيث أصبحت الجامعات نسخ مكررة وتحشد بالبرامج التي لا يهتم بها الدارسين مما جعل شواغر كثير من التخصصات في معظم الجامعات يفوق نصف العدد المخطط وهو اهدار واضح بسبب عدم التخطيط السليم.
- في محور الأساتذة الطامة الكبرى حيث تم اهمال الهيئات التدريسية في التدريب والمخصصات والتضييق عليهم حتى أصبح الطريق للهجرة سبيلهم الوحيد للعيش الكريم ففقدنا خيرة الأساتذة وأصبحت الجامعات الإقليمية تذخر بالأساتذة الاكفاء من السودانيين وتفتخر بهم وتفتخر حكومتنا بتصدير العقول مما جعل جامعاتنا تسعي لبدائل غير جديرين وغير مؤهلين فضاعت جودة التعليم وهيبة الجامعات.
- وفي محور الإدارة والتنظيم فقد ضاع العمل الإداري بين سندانة التعيين ومطرقة الاقصاء حيث يتم الاختيار للوظائف القيادية بعيدا عن الكفاءة والخبرة وتعطي بمقياس الولاء الحزبي وانعدمت الآليات الديمقراطية في التعيين ففسد المشهد الإداري في الجامعات واضمحل الأداء وضاعت المؤسسية وفقدت الجامعات السودانية سمعتها داخليا وخارجيا.
- الاسواء من ذلك كله اتاحة مقار داخل الجامعات لطلاب النظام المخلوع لتخزين السلاح وأدوات العنف والتنكيل تمكيننا لهم لتركيع واذلال الطلاب الاخرين، منها الوحدات الجهادية الموجودة داخل معظم الجامعات في الخرطوم مما اشاع الكراهية والبغضاء والغبن وسط الطلاب.
- عدم الاهتمام بالعاملين بالتعليم العالي والتلاعب بمطالبهم المشروعة منذ العام 2004 لهيكلة الرواتب والاستحقاقات.
- ولعل أكبر الاضرار للتعليم العالي يكمن في تدني اهتمام الدولة به ويدلل على ذلك ما يرصد له من ميزانيات ويدلل على ذلك أيضا اعتباره وزارة ترضيات يتنافس عليها وزراء ليسوا ذوي علاقة او ليسوا ذوي خبرة كالوزيرة الأخيرة التي توزرت لثلاث أسابيع ولم تدعو حتى مدراء الجامعات للاجتماع بهم للتعارف وطرح الرؤي كما هو معتاد عند تكليف كل وزير جديد.
ثانياً: هموم المرحلة القادمة
الان الفرصة سانحة ومع نسمات التحول الديمقراطي والتغيير الإيجابي للعمل علي إصلاح التعليم العالي و مؤسساته وتحريره من قبضة النظام المخلوع عبر اتباع الخطوات وتحقيق المطالب الاتية:
- الالتزام بميثاق الحرية والعدالة من اجل بيئة مهنية عادلة وحرة.
- تبني مبادرة إصلاح التعليم العالي بالتنسيق بين كيانات وتجمعات الجامعات السودانية عبر المقترحات الاتية:
• حصر ورصد كل الانتهاكات التي طالت مؤسسات التعليم العالي ووزارته طوال فترة النظام المخلوع.
• مراجعة النظم واللوائح والتشريعات المنظمة للتعليم العالي.
• تطبيق مبدأ العدالة في كل الإجراءات في مؤسسات التعليم العالي.
• مراجعة هياكل الجامعات الإدارية والتدريسية وشروط الخدمة بما يحقق اهداف وأغراض الجامعات.
• مراجعة أسس التعينات والترقيات واستغلال المناصب الإدارية للتجاوزات فيها.
• أعادة النظر في قانون التعليم الأهلي والاجنبي الذي صدقت بموجبه مؤسسات خاصة معظمها لمنسوبي النظام المخلوع والتي أصبحت منصات لبيع التعليم والجباية.
• مراجعة هيكلة الوزارة واداراتها والعمل على تقليصه للمستوي الذي يحقق اغراضها كجهة اشرافية وتنسيقية.
• إعفاء جميع مدراء الجامعات ومدراء إدارات الوزارة وتكليف اكفاء لإدارة الجامعات وادارات الوزارة في الفترة الانتقالية ليعينوا في التحول الديمقراطي داخل مؤسسات التعليم العالي وبناء النظم واللوائح التي تتوافق وتدعم التغيير واختيار القياديين بالديمقراطية والعدالة في فترة التحول القادم.
والله من وراء القصد