أتوقع أن يكون تشكيل الحكومة الانتقالية هو أم المشاكل مقارنة بتكوين المجلس الرئاسي والمجلس التشريعي، لأن الحكومة هي محل اتخاذ القرارات التنفيذية في أجهزة الدولة ولأنها محل الموارد التي تُصرف على أعمال الدولة ولأنها تملك الأجهزة المؤهلة لتنفيذ القرارات، ويمكن أن يُفصل من هذه الأجهزة بعض الموظفين ويُضاف آخرون. فهي بهذه المزايا صاحبة السلطة الحقيقية في كل دولة أياً كان نظامها السياسي. السؤال الهام هو هل تشمل حكومة الكفاءات الوطنية عددا من ذوي الانتماءات السياسية التي وقعت إعلان قوى الحرية والتغيير؟ في الغالب أن هذه الأحزاب مثل: المؤتمر السوداني وحزب الأمة القومي والاتحاد الديمقراطي المعارض وتحالف قوى الإجماع الوطني لديهم كفاءات مهنية تملك التأهيل العلمي والخبرة العملية وتصلح أن تكون جزءً من حكومة الكفاءات الوطنية؟ ولكن السؤال الثاني هل من مصلحة الثورة أن تدخل كفاءات هذه الأحزاب في الحكومة الانتقالية؟ إجابتي على هذا السؤال هو (لا) قوية لا لبس فيها ولا استثناء. لماذا؟ لأن دخول عناصر من قوى الحرية والتغيير في الحكومة الانتقالية سيجلب لها تهمة الجري وراء السلطة كما لصقت هذه التهمة بكل أحزابنا السياسية منذ الاستقلال حتى اليوم، ونال المؤتمر الوطني الميدالية الذهبية لتلك التهمة بإضافة عقيدة التمكين لعناصره في الحكم الأمر الذي أدى لجريمة فصل الجنوب. ولم يطرف للوطني جفن بفصل الجنوب! لقد منح الشباب تجمع المهنيين ثقة لا حدود لها بمثالية طاهرة لا تشوبها لعاعات الدنيا، فاندفع في طريق الثورة يعطي كل ما يستطيع دون منٍ أو أذى، وهذا هو رأس مال الثورة الحقيقي فلا تبددوه إرضاءً لأي كائن من كان ولأي سبب كان.
السبب الثاني أن بداية الدخول في محاصصة حزبية أو جهوية طريق لا نهاية له، فهو مثل الورم السرطاني يتمدد يوما بعد آخر، سيطلب حزب نصيبا أكثر في الحكومة لأنه أكبر من الحزب الآخر، وستطالب الحركات المسلحة بنصيب كبير في الحكومة يساوي تضحياتها الجسيمة في مقاومة النظام السابق، وستأتي أحزاب أخرى تطالب حتى ولو لم يكن لها أي دور في المعارضة، بل ربما تأتي أحزاب كانت حليفة للنظام تطلب حقها في كعكة السلطة خاصة إن كانت لها جهوية أو قبلية تؤخذ في الاعتبار! وما فيش حد أحسن من حد في هذا السودان العريض!
ثالثا أن الأحزاب تميل لاختيار الناشطين في حزبها والموالين لرئيسه الفذ لدخول الحكومة، ولكل من هؤلاء أجندته الحزبية والشخصية. وسيكون كل ذلك خصما على أداء الحكومة وتنفيذ برنامجها، ولن تخلو مثل هذه الحكومة من صراعات ومشاكسات داخلية لا نهاية لها. ويقف رئيس الوزراء المستقل حيران لا يدري كيف يفض اشتباك هؤلاء مع أولئك، وسيكون أول من يقدم استقالته من الحكومة.
حكومة الكفاءات الوطنية (التكنوقراط) ليس من ورائها حزب يعطي الوزير قوة إضافية أكثر من حسن أدائه لواجبه ولا يخصم شيئا منه، والوزير ليس له أجندة حزبية وغالبا لا تكون له أجندة شخصية خاصة إذا اشترط عليه ألا يترشح في الانتخابات القادمة. وسيكون رئيس الوزراء مسيطرا على الأمور دون أن يخشى من تدخل خارجي لمصلحة هذا أو ذاك من الوزراء، ويستطيع أن يفصل من يكون أداؤه ضعيفا دون أن يحدث ذلك مشكلة للحكومة. ويستطيع المجلس التشريعي أن يراقب أداء الحكومة حتى تنفذ برنامجها كاملا في وقته المحدد دون أن تأخذه في ذلك لومة لائم لغياب مجموعات الضغط السياسي لمصلحة أحدٍ في الحكومة. وستنحو حكومة الكفاءات الوطنية لاختيار أفضل الكفاءات من السودانيين داخل السودان أو خارجه، ولا يتأتى ذلك لحكومة المحاصصة الحزبية فهي محكومة بعضويتها الناشطة سياسيا. وستظهر ادعاءات كثيرة لتعريف كلمة “كفاءة وطنية”، كل يدعي أنه يمتلكها لكننا نريد الكفاءة الوطنية التي لا خلاف عليها بين عامة أهل المهنة. وإذا احتدم الخلاف حول القضايا لماذا لا تدير قيادة التجمع تصويتا بسيطا في مواقع المعتصمين المختلفة بين اقتراحين يقول الأول بتكوين حكومة كفاءات وطنية صرفة، ويقول الثاني بتكوين حكومة كفاءات وطنية ذات تمثيل سياسي. قناعتي أن الشباب غير المنتمين سيصوتون بنسبة غالبة للاقتراح الأول. ويحبذ للشخص أن يكون من المؤمنين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن يتصف بالعفة والأمانة والجدية في أداء الواجب. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
altayib39alabdin@gmail.com