صحيح أن الانسان يولد على الفطرة بسيطاً طيباً بريئاً ثم تبدأ شخصية في التكوين فتتشكل ملامحه من طبيعة البيئة، وكذلك المجتمع الذي حوله. فقد تكسبه البيئة الطبيعية القسوة والصلابة أو الرقة أو الجد والاجتهاد والنشاط أو عكسه. أما المجتمع فهو الذي يتعلم منه مكارم الاخلاق والقيم الفاضلة أو عكسها فيخرج للعالم انساناً سوياً أو غريب السلوك مهيئاً ليكون مجرماً طاغية.
جاء الرئيس المخلوع البشير الى السلطة وهو
ضابط صغير مغمور لايعرفه أحد حتى نفخه الإسلاميون، وخلعوا عليه من الصفات التي هيأته ليكون دكتاتوراً جباراً فيما بعد.
قالوا انه بطل ملحمة “ميوم” التي
هزمت فلول التمرد، قالوا إنه يمثل عامة الشعب ويحس بمعاناته لأنه من بيت اسرة
بسيطة. قالوا أنه رجل متدين بسيط ونزيه ويمكن أن يكون على يده خلاص البلاد من فشل
الاحزاب على مقولة القوي الأمين.. بل خلعوا عليه صفات أمير المؤمنين، واضافوا انه
عمر بن الخطاب بذاته وشحمه ولحمه فكيف لا يتولى مهمة انقاذ واصلاح البلاد فصدق هو
ذلك.
ولا يدرون أهم بذلك يصنعون طاغوتاً جباراً.
فركب هو وأعوانه دبابة ليقوض شرعية ويعطل دستوراً قائماً. وقال احد شعرائهم
المريدون النفعيين وهو يبرر لهذا الانقلاب ” كانت مقلوبة وناس ود البشير
عدلوها ” بل مضى المريدون وهم ينفخون فيه صفات التفرد حتى عندما ضل طريقة
وأصبح راقصاً مشهوراً في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية وفي كل مناسبة وبدون
مناسبة بان رقصه إنما يعتبر من اصل العرضة السودانية التي عادة يمارسها فرسان
القبائل في ساعات الوغى والشدة وكذلك صدًق هو ذلك فاصبح لا يفوت أي مناسبة إلا وضربت
له الطبول والموسيقى ليمارس رقيصة المقيت فاصبح رئيساً بهلوانياً يمارس هذا السخف،
وتنقله القنوات الفضائية فيستغرب غيرنا من هذا الرئيس الرقاص، ويصيب عامة شعبه الغثيان،
وهو يشاهد هذا الهبل.
بعد ذلك اكتملت طاغوتية البشير عندما أحتفل
به المنتفعون على مستوى افريقيا، وعلى حساب الشعب السوداني المسكين بتجميع بعض
المتنطعين في أديس ابابا حيث نظموا له احتفالاً رفض أن يحضره المسئولون الاثيوبيون
فتركوه في حضن بعض المريدين المنتفعين الذين خلعوا عليه بردة حمراء، ومنحوه لقب
“أسد افريقيا” الذي تحدى قوى الاستكبار في امريكا واوربا، ومحكمتهم
الجنائية فصدًق ايضاً ذلك، واخذ يشتم دول الاستكبار فقالها ودون مراعاة للضوابط
ومتطلبات الدبلوماسية أن “امريكا وفرنسا وبريطانيا تحت مركوبي”، وانه لا
تهمه محكمة جنائية ولا أوكامبو.. ولا غيره كل ذلك والمريدون والمنتفعون يصفقون ويهتفون
له .. بل أدهشنا أن بعض علماء السلطان من الاسلاميين الذين أتوا به الى السلطة بإطلاقهم
فتاوى حرمة الخروج على السلطان، وذلك عندما بدأ الشعب يتململ ويخرج محتجاً، على
سوء إدارته للبلاد والفساد، وتقلبه بين التحالفات والمحاور الإقليمية والدولية.
لقد وصلت طاغوتية البشير ورغم أن الشعب
السوداني قد خرج عن بكرة ابيه في الشوارع عبر في ثورة سلمية مطالباً بسقوطه والتغيير،
ولا ندري من أين أتى بما قاله لمساعديه الذين حاولوا محاوروته ومناقشته في كيفية
معالجة ما يجري في الشارع من مظاهرات حيث ورد أنه قال لهم ” ان مذهبنا
المالكي يجوز قتل نصف المجتمع من أجل اصلاح الباقين .. لكن أنا لست من الغلاة
في ذلك، فأريدكم خلال (24) ساعة فض الاعتصام وووقف المظاهرات، ويكفينبي في ذلك قتل
ثلث الشعب إذا لزم الأمر لتثبيت النظام، فكانت تلك اللحظة الفارقة، وبها ايقن
أعوانه أن هذا الرجل يجب أن يذهب.. فهل لاحظتم كيف صنع الإسلاميون هذا الطاغوت؟ وكيف
تجرعوا مرارة ما صنعوه قبل غيرهم؟
التحية لأبنائنا الشباب والشابات وقود
ومفجري هذه الثورة العظيمة، ونترحم على الشهداء الذين سكنوا المقابر من أجل تحرير
الوطن، وعاجل الشفاء للجرحي والمعاقين الذين مثل بهم زبانية الأمن في السجون .. تحية
خاصة لبناتنا الكنداكات اللائي قدمن نموذجاً أكد أن المرأة هي صنو الرجل، وقدمن
التضحيات والدروس المجانية لكل العالم في كيف يمكن اقتلاع الظلمة والطواغيت، فكان ربيعاً
سودانياً مختلفاً في كل مواصفاته. نعم
احبك يا وطن فأنت شعب معلم.. شباب وشابات يفخر بهم السودان، أعادوا الثقة إلى نفوسنا،
وأكدوا أن الوطن بخير وواعد بإذن الله..
ونقول بفخر ارفع رأسك يا زول طالما أن لديك
شباباً بهذه المسؤولية والحزم والعزم .. نعم لقد حان الوقت ليتقدم الشباب معركة
اعادة بناء الوطن من جديد، وعلى اساس دولة المواطنة بعيداً عن التمييز على اساس
الدين أو العرق أو القبيلة، بل بقيم الحرية والعدالة والسلام..وقابلوني الذين
قالوا أنهم لا يسلمونها إلا لعيسى، أنها سنن الكون لكنكم لم تحتكموا إليها عندما
صنعتم هذا الطاغوت، وتجبرتم على شعب عصيً صبوريعرف متي يسترد حريته وكرامته..