إخوانُنا من جماعةِ الإنقاذ، وفلولِها، ومحبيها، ما يزالون غيرَ مصدقين أن (ثورة الإنقاذ) قد دالت دولتُها، وتصرَّمت أيامُها فعلاً..ولسوف يبقون علي هذا الذهول لمدةٍ طويلة، لأنهم رزَحوا تحت واقعِ الإنقاذ لمدةٍ طويلة !! وعندما تأتي الديموقراطيةُ الوشيكةُ إلى بلادنا إن شاء الله، فستكون كذلك قاسيةً جداً عليهم، ولكنها ستكونُ مفيدةً جداً لهم في ذات الوقت..
لقد طال مكوثُ هؤلاء في ظلامِ الإنقاذ حتي عُمِّيَ عليهم كلُّ شئ، ولن يفُك إسارَهم من هذا الإظلام العقلي الدامِس، والإنكار الوجداني المُحدِق إلا شمسُ الديموقراطية الباهرة بعد حين..
إنَّ من أجملِ الدروس التي يُمكن تعلُّمُـها عن الديمقراطية (الشــورى) في بلاد الغرب أنك تتحررُ بها تماماً من الولاء للأشخاص، والأحزاب، والقوالب القديمة المعتادة..الديموقراطيةُ تعلِّمُك أن يكون ولاؤك للبرامج فقط، ولا شئ غير البرامج، (طبعاً دائماً مع وجود الإستثناءات).. وسوف لن يُضيرَك في شئ أن تقف في هذه الدورة الإنتخابية مثلاً إلى جانبِ أحد الأحزاب، وتدعم برنامجه، وتصوِّت له، ثم تقف في الدورة الإنتخابية القادمة إلى جانبِ الحزبِ النقيض لأن برنامجه يلبِّي رغباتك، ويستجيب لتطلعاتك الإنتخابية.. وسوف لن يصفك أحدٌ، عندئذٍ، بأنك بلا ضمير، أو أنك تنكَّرتَ لمبادئك، أو عقيدتك!!
الديموقراطيةُ تقتلُ في داخلِك، (أصنام) الحُكام، والفراعين، والزعماء، والشيوخ، والأئمة، والعُمَـد، والنظَّار، وتمنعُـها من التضخّم في داخلك، ومن الإمساك بقراراتك، والحجرِ علي حُريتِك !!
يجئ رئيسٌ، ويذهبُ رئيسٌ ولا يدهشُك ذلك، ولا يعني ذلك لك إلا كما يأتي الخريف، وتنقضي مدتُه فيمضي، ليعقبه الصيف والشتاء.. فلا أحدٌ يبكي، ولا يأسى، ولا يتحسَّر علي رئيسٍ إنقضت مدتُه..ولا أحدٌ يرتبط عقلياً، ولا وجدانياً برئيسٍ واحد، ولا أحدٌ (يكنكش) في الزعماء، والقادة، والشيوخ، والأئمة، ولا بحزبٍ أزليٍّ واحدٍ مدي الحياة، كما يحدث في بلاد الشرق !! ويكفي أن يحنَث المرشّحُ، أو (يفشل) في تحقيق وعدٍ إنتخابيٍّ واحدٍ قطَعَه لناخبيه فينفضُّوا من حوله، ولن يجدوا حرجاً أن يتحوَّلوا فوراً إلي الحزبِ الآخر جملةً واحدة، أو يُسقطوا هذا المرشح داخل حزبهم، أو يفوّزوا عليه منافسَه من الحزبِ الآخر، وبلا مواربة، ويفاخرون بذلك، ولا يكتمونه !!
• نحنُ في بلاد الشرقِ عموماً يسهلُ الإستحواذُ علينا، وتسهُلُ تبعيتُنا للأشخاص، لا البرامج.. وهكذا فنحنُ الذين نصنعُ فراعيننا، ونعبدُهم بعد ذلك..ويتساوي في هذه التبعية العمياء، والعبودية الولائية الجوفاء المتعلمُ مِنَّا والأُميُّ، وسكانُ الحضر وأهلُ الريف، ويحتضنها الأقربون والأبعدون.. كما أنها متفشيةٌ لدي الجميع، وفي الجميع.. فهي في السياسة، وفي الرياضة، وفي الأحزاب، وفي الأندية، والمنتديات، ولم ينجُ منها من أحد !!
وما ينطبقُ علي فلول النظام البائد، يوجد مثله، ولكن بدرجاتٍ متفاوتة في كل أحزابنا السياسية، وبلا إستثناء، وبخاصةٍ في الأحزاب القديمةِ العريقة !!
• كان الواجبُ علينا، ومن قديم، أن نعلّم نشأنا في المدارس، وفي المعاهد، وفي محافل أنشطتِهم كلِّها، أنه لا قداسـةَ في السياسة.. وأنَّ الأحزاب، والرؤساء متحوِّلون، ومتغيِّرون، وأنهم ليسوا بخالدين، وأنَّ البقاءَ للوطن..
ولكننا تقاعسنا عن ذلك، وتخاذلنا، ولم نفعل، لأنَّ فاقدَ الشئ لا يُعطيه، فتعلَّـم الآنَ أبناؤنا ذلك من الميديا، ومن الوسائط المفتوحة، ومن الفضاءاتِ العريضة..وسوف يعاقبوننا بما تعلموا وعلِموا أشدَّ العقاب، في أقربِ إنتخاباتٍ قادمة..وسوف لن يصوّتوا لأصنامنا، ولا لفراعيننا، ولا لأهلِ بيعتنا..
وسيختارون من يقنِـعُ عقولهم، وبمحضِ إرادتهم، ودون ولاء، ودون بيعة، وبلا عقيدة إنتخابية..وسيقلبون كلَّ الموازين علينا !!
وسيكونُ هذا الدرسُ قاسياً علي الجميع، ولكنه سيكونُ أشدَّ قسوةً علي الإسلامويين، وعلي فلول الإنقاذ تحديداً !!
• وأنا لو كنتُ من إخواننا محبي الإنقاذ، ومن مُقدِّسي طاغوتِها، لقلتُ للشعبِ السوداني فوراً، بعد السقوط: (طيب يا جماعة الخير، أنحنا آسفين..لقد جرَّبنا وفشلنا..ونعتذرُ لكم عن كل ذلك..دعونا نري ما عندكم، وسنعملُ معكم بكلِّ إخلاصٍ وأمانة.. ولربما يوفقكم المولي عز وجل أكثرَ مما (وفَّقَـنا) وننهي الموضوع على كدة)..لو كنتُ منهم لقلتُ ذلك للشعب السوداني، دون أن ألجأ إلي الإستهبال، والكنكشة، ومحاولة الدخول بالشباك بعدما طُرِدتُ بالباب، ولَمَا لجأتُ إلى الإستعانة بالمجلس العسكري، ولا بعمـر زين العابدين!! ولكنهم ما يزالون (يستهبلون)، ويكابرون، ويتشطَّرون، ويحتالون، ويتآمرون، لأنَّ (صنمَ الفرعون) داخلهم يمنعُهم، ويغبِّش عليهم، ويسُدُّ عنهم رؤية شمس الحقيقةِ الساطعة !!!