استطاع الشعب السودانى بشكل يدعو للاحترام والتقدير العميقين أن يضع نهاية سلمية حضارية لحكم الرئيس المعزول عمر البشير، الذى حكم السودان 30 عاما. ولم تكن مرابطة السودانيين فى الشوارع والميادين منذ 4 اشهر تهدف فقط لعزل رأس النظام، بل كانت تسعى للإطاحة بنظام دمر اقتصاد السودان وفصل جنوبه، وأشعل نار الحرب فى أرجائه، وارتكب الفظائع ضد أبناء شعبه، وشوه الشخصية السودانية السمحة، وأجبر الملايين من خيرة أبنائه على التشرد فى شتات الأرض، والأخطر أن السودان الذى كان يعد ركنا قويا فى منظومته الإفريقية والعربية، أصبح نهبا لكل انتهازى أو مغامر، أو متطرف جامح، اتخذ من أركان ذلك النظام البائد مرتعا وحماية وقاعدة ينطلق منها، لتنفيذ أجندات شريرة.
وقد تلاعب الرئيس المعزول ونظامه بكل الأطراف، فقد اخترقوا داخليا الأحزاب السياسية ومزقوها، وتلاعبوا بمؤسسات الدولة حتى أضعفوها، وأصبح السودان الكبير فى عداد الدول الهشة، أما على المستوى الخارجى فلم يشهد التاريخ الحديث نظاما استمرأ لعبة تغيير الولاءات والتحالفات كما فعل نظام البشير خلال العقود الثلاثة الماضية بألاعيب تدعو للدهشة والاستغراب.
اليوم يستبطىء الحراك الشعبى السلمى بعض خطوات المجلس العسكرى الانتقالى لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، ويتشكك فى بعض أعضاء المجلس، من جانبه بدأ المجلس يحذر من التصعيد، لذا أعتقد أن الحد الأدنى من التوافق والاتفاق بين الطرفين ضرورى، بل إن التوافق بين جميع القوى السودانية هو طوق النجاة، حتى لا يغرق السودان فى خضم الأجندات الداخلية المختلفة، والخارجية الطامعة، أو يقع فريسة لمؤامرات الثورة المضادة المتربصة بالتغيير التاريخى الذى أنجزه الشعب السودانى العظيم.