الجماليات التي تولدت على هامش دفتر النضال لا يمكن حصرها ..اولئك الصغار الذين تفتقت أذهانهم عن الاعلان السهل الممتنع في كلماته البسيطة والتي تدخل القلب مباشرة ..نجحوا في لفت نظر العالم الى الشخصية السودانية المبدعة والمرحة ..المحبة للحياة ..حسنا فعلت شركة كوفتي بتكريمهم والالتزام بمنحة دراسية لكل واحد منهم مدى الحياة ..كلماتهم الهمت الكثيرين وصارت متلازمة اسمها (الشاي بي جاي )..لكن احد الاصدقاء الاسفيريين تعمق اكثر في الاعلان واخذ منه فكرة كتبها في بوست اسفيري على صفحته في الفيس بوك ..كتب قائلا (يا جماعة الجيش حكمنا سنين طويلة لحدي ما نسى شغلو الاصلي وبقى يتحكم فينا .. يا اخوانا الجيش دا شغلو المفروض يكون زي الزول البقول معاو كيكة ..يكون واقف مكانو لما يجي خطر على البلد يجي يقول معاو كيكة ويرجع مكانه تاني ) لا أذكر انني ضحكت قريبا كضحكي عند قراءة ما كتبه ذلك الشاب ..من هنا ارسل اليه تحياتي واحترامي لعبقريته المدهشة.
ترى كم من الاجسام والأشخاص الذين يتمثل دورهم فقط في اوقات محددة ..يجب عليهم الظهور فيها ويقولوا (و معاو كيكة ) ومن ثم يعودوا الى مكانهم مع خالص الود والتقدير..لكنهم رغما عن ذلك يتمددون ويفرضون وجودهم طوال الوقت مشوشين على سير الحياة العامة ..والمأساة الكبرى هي انهم ومن فرط اندماجهم في دورهم الجديد ينسون دورهم القديم بتاع (و معاو كيكة ) فيختلط الحابل بالنابل ..و(القصة تجوط).
الجيش هو جسم قومي ..مهمته الاساسية حماية الوطن والمواطن ..عادة ما يكون ضباط وجنود الجيش في ثكناتهم ..وفي الثغور على اطراف البلاد ..وحمايتها من أي اعتداء خارجي ..او تغول من أي دولة على سيادة الأراضي السوادنية ..هذه الحالة الطبيعية ..اما في حالات الاستثناء …مثل التي حدثت في اكتوب 64 ..وابريل 85 و أبريل هذه العام ..وهي خروج الجماهير الى الشارع في هبة شعبية وغضبة ثورية لاقتلاع انظمة دكتاتورية ..يصير التدخل لصالح الشعب فرض عين على الجيش ..وقد فعلها في كل هذه الأعوام ولم يخيب ظن الشعب فيه ..وكذلك سلمها للحكومات المدنية في 64 و86 على التوالي ..وعاد الى ثكناته معززا مكرما ..يعني كما قال الشاب اعلاه قام بدوره وقال (و معاو كيكة ) ورجع الى موقعه …كما نتمنى ان يحدث ذات السيناريو في الأيام المقبلة باذن الله تعالى.
أما ..في 89 ..كان هناك خروج عن النص ..وعدم التزام بالايقاع ..فكان انقلاب الجبهة الاسلامية على الديمقراطية ..والتي ادخلت البلاد في نفق مظلم لمدة ثلاثين عاما حسوما ..اختلطت فيها الادوار ..وتدخلت الايدلوجية في كل مفاصل الدولة ..وصارت هناك دولة بداخل الدولة فيما يسمى بالدولة العميقة .. حدث كل هذا ..لان احدا لم يعد يؤدي دوره المنوط به ولا يقف في انتظار ألآخرين ليقوموا بأدوراهم ..ترجل البعض من المسرح ..وصار البعض الاخر كالاخطبوط يقوم باكثر من دور ..ويقبض اكثر من راتب …في اكثر من مؤسسة ..حتى وصلنا الى الدرك الأسفل من الفساد الاداري والمالي ..لذلك نضم صوتنا الى ذلك الشاب ونقول للجيش ..لا تنس ان تؤدي دورك الأصلي ..بقول (ومعاو كيكة ) ومن ثم العودة الى الثكنات مشكورا وماجورا ..ودع المهمة الأساسية للحكومة المدنية لتقوم بدورها لتعود الحياة لطبيعتها ..وتعود للقهوة رائحتها التي تأتي بك من بعيد ..وتعود للشاي نكهته المميزة .