ابدأ بالتصريح بأنني لم أعد أمارس الكتابة منذ منتصف ديسمبر الماضي كصحفي أو إعلامي، بل كمواطن سوداني قلبه على وطنه وعاش ثلاثين عاما وهو يحلم ويعمل من أجل اسقاط نظام عمر البشير، وقد غمز البعض في وطنيتي وكتبوا هنا وهناك أنني قاعد في الطراوة وأقوم بتحريض الشباب على الخروج الى الشارع للعمل على اسقاط النظام في نسختيه الأولى والثانية (البرهانية)، وهذا شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها لأنني فعلا أريد للشباب ان يستردوا وطنهم من العسكر وسماسرة السياسة من المدنيين، ثم أنه ليس هناك ما يعيب في تحريض الشباب على عمل وطني خالص، وبالتالي فإنني أحس بالخجل نيابة عمن صاروا يتباكون على الدين منذ اندلاع الثورة، وكأن من قاموا بها هم كفار قريش، ففئة من هؤلاء متضررون من سقوط عصابة الكيزان، وفئة أخرى مضللة وما زالت تحت تأثير جعجعات البشيريين وادعاءتهم بأنهم يرفعون راية الإسلام، وترى أن هناك مخاطر من أيلولة الحكم الى “أعداء الدين”، وأكرر القول بأنني اعتبرهم مضللين وليسوا بالضرورة من فئة كاااااك، رغم ادراكي التام بان الجداد الالكتروني شديد النشاط ويعمل بهمة على زرع الشكوك بين الثوار لشق صفهم تمهيدا لتدشين النسخة الثانية من الإنقاذ
أوجه السؤال التالي الى من يحسبون ان الدين في خطر لو آل أمر الحكم لقوى إعلان الحرية والتغيير: حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي طرف أصيل في الإعلان، وشارك في كتابة ميثاقه للحكم الانتقالي المدني فهل الصادق- دعك من الآخرين- عدو للدين أو يمكن ان يتحالف مع أعداء الدين؟ وهل كان نظام البشير أصلا على صراط مستقيم أم أساء للدين كما لم تفعل حكوة أخرى في أي بلد مسلم- سبحان الله شاهدوا عشرات الآلاف من الثوار وهم يؤدون صلاة جمعتين متتاليتين في فضاء مكشوف امام قيادة الجيش في مشهد لم تعرفه سوى مكة المكرمة ثم اختشوا على دمكم أيها المتباكين على مصير الدين في سودان المستقبل
ونأتي الى الزعم بأن الشيوعيين يقودون الحراك الشعبي ويريدون قيادة الحكومة الانتقالية، ومن يرددون هذا الزعم يقولون شاءوا أم أبوا أن الملايين التي ترابط في ساحة الاعتصام مجرد بهائم بلا عقول يقودهم الشيوعيون يمنة ويسرة، ويفوت على أصحاب هذا الزعم أنه إذا كان الحزب الشيوعي يتمتع بهذه السطوة والسلطة الكاسحة على ملايين المواطنين في الخرطوم وغيرها فحلال عليه الحكومة الانتقالية بوصفه حزبا سودانيا والجميع يرددون هذه الأيام موال “عدم إقصاء أحد”.
وعدم الاقصاء هو القشة التي يتعلق بها من كانوا في زفة البشير أو شاركوا في جريمة استيلاء الاسلامويين على الحكم في يونيو 1989 ويريدون أن تكون لهم كلمة وحصة في الحكومة الانتقالية، ولو كان هؤلاء الملوثين سياسيا يعارضون البشير ولو باللسان لقاموا بالتوقيع على ميثاق الحرية والتغيير الذي كان مفتوحا لكل حزب طوال 4 أشهر بدلا من ان يستقووا بالعساكر كي يعطوهم بضعة مقاعد صدقة غير مستحقة، وأقف هنا قليلا لأقول إن قوى الحرية والتغيير وبالتأكيد لا تمثل جميع السودانيين، ولكنها وبالتأكيد تمثل جميع السودانيين الذين ينشدون بناء سودان جديد يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات، وبرلمان السودان الجديد هو ساحة الاعتصام، واتحدى قادة أحزاب الإفك والفكة الكرتونية أن يحاولوا دخول تلك الساحة وهم يرددون شعارات الثورة ليعرفوا راي برلمان الثورة فيهم عندما يتعرضوا لزفة: بره، بره كما فعلوا مع انصاف مدني!!!!!
والمضللون بدعاوى تجار الدين وفلول نظام البشير والممسكون بالعصا من “النُص” يريدون منا وضع كل البيض في سلة المجلس العسكري، وهب انه ليس هناك كوز واحد في هذا المجلس: ما الذي يؤهل العسكر دون غيرهم للانفراد بقيادة البلاد العليا ويحددوا للثوار مع يكون عضوا في مجلس الوزراء؟ ما علاقة عسكر لم يخططوا أبدا لاقتلاع نظام البشير ولكن ما أن أدركوا أنه وبالفعل الثوري في رمقه الأخير حتى استلوا السونكي ونحروه- ما علاقتهم بالاقتصاد والتنمية والزراعة والري والتعليم والصحة والطرق والجسور؟ كان المعلمون يشكلون 50% من عناصر الحكم في سنوات الاستقلال الأولى التي برغم ما شابها من أخطاء شهدت حكومات نظيفة وشريفة؟ سيقول العسكر: نحن نراقب فقط وسنترك العيش لخبازه؟ ولكن ما الذي يؤهلكم دون غيركم من الشرائح لاحتكار الرقابة العليا؟ لماذا لا يشكل المعلمون او اهل القانون او الاقتصاد المجلس الأعلى للثورة؟ أم ان بيده السلاح لا يكتب نفسه “شقي”؟
قوة الثورة ومفاتيح انتصارها تكمن في الاعتصام أمام قيادة الجيش، حيث بدأت الوفود تتقاطر على الساحة من كل صقع: عطبرة والجزيرة وأرض النوبة التي راح فيها نفر كريم ضحية هجمة بربرية وهم يعترضون على إغراق أراضيهم بتشييد سد كجبار.. نجاح الثورة رهن باستمرار الاعتصام الحالي في ميدان الثورة وابقوا عشرة على المبادئ
لا نريد مواجهة كسر عظم مع العسكر، وأرجو أن يتخلوا عن غطرسة القوة ليأتوا الى كلمة سواء بينهم وبين الثوار ممثلين في قيادتهم
ومن يتراجع خطوة واحدة مهدد بالسقوط عموديا