للعطر افتضاح: في الرد على الطيب مصطفى
د. مزمل أبو القاسم
- انبرى الأخ الباشمهندس الطيب مصطفى للرد على ما كتبناه، تعليقاً على الخطبة التي ألقاها الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف في مسجده، وهدد فيها بأن يحشد الناس، ويملأ بهم الساحات والطرق كي يتصدوا لأعداء الشرع والدين.
- زعم الطيب أننا كِلنا السِباب والتهكم لعبد الحي، وذاك كذبٌ وبهتانٌ عظيم، لأن قولنا له أتى مهذباً ليِّناً، لم يتجاوز حدود اللياقة مطلقاً، ولم يحو أي إساءةٍ أو تهكمٍ، وما كتبناه مُباح له، فليأتِ منه بما زعم إن كان صادقاً في ما رمانا به.
- ادعى الطيب أن الشيخ عبد الحي قصد رئيس تجمع المهنيين (الشيوعي) محمد يوسف بحديثه عن أعداء الدين، الساعين إلى وأد الشريعة، وتحرير الدولة من الدين، زاعماً أنه لم يقصد عموم المعتصمين أمام القيادة.
- أقول للطيب: لو صحَّ ما زعمته، وكان الحديث موجهاً لفئةٍ بعنيها، أو لونٍ سياسي بذاته، أو فردٍ باسمه، لما كانت لنا مع الشيخ قضية، ولما رددنا عليه أصلاً، إذ أنه لم يدعُ أي واحد منهم باسمه أو وصفه أو انتمائه، ولو فعل وخصَّص أو سمَّى لتركنا أمر الرد عليه لمن عناهم وسمَّاهم، لأنهم أدرى بحجتهم معه، وأقدر على الدفاع عن أنفسهم في مواجهة ما رماهم به.
- عمَّم عبد الحي حديثه عن الحشد الذي تجمع أمام القيادة، ولم يستثنِ منهم من وصفتهم أنت نفسك (بالأغلبية الشابة المؤمنة المؤدَّية للمشاعر)، بدليل أنه قال: (إن كانوا يحشدون فنحن على الحشد أقدر، وسنحشد كما يحشدون).
- لو فعل وخصَّص لتجنَّب الكثير مما أصابه من نقد، لذلك ذكَّرناه بأن غالب المعتصمين من المسلمين المُصلين القانتين، ممن ظلوا حريصين على أداء الصلاة في جماعةٍ تعدادها الملايين، فكيف يوصمون بأنهم كارهون لدين الله، مستهدفون لشرعه؟
- أما ما زعمه عن زئير عبد الحي في المنابر والوسائط، رفضاً لسفك الدم بواسطة بعض رجال الأمن، فيردُ عليه موقف الشيخ نفسه، عندما انبرى له أحد المصلين في مسجده، مطالباً إيَّاه بأن يخرج معهم للمجاهرة برفض سفك دم الأبرياء العُزَّل، واعتقال المحتجين، وسحلهم وتعذيبهم، وضرب الحرائر، وانتهاك حُرمات البيوت، فبمَ أجابه، وماذا كان ردَّه عليه؟
- هل خرج معه ليصدع بالحق في وجه سلطانٍ جائر؟
- ألم يذع في اليوم التالي للخطبة بياناً مُصوَّراً، ادعى فيه أن الهتاف تم بوساطة قلَّة قليلة، وأنه لم يستغرق سوى دقائق معدودات، وأن “المساجد ما جُعلت للهتاف والصيحات، ولا لتأييد موقف سياسي أو معارضته”؟
- ألم يعلن عبد الحي نفسه رأيه في بعض المواقف السياسية من داخل المسجد ذاته؟
- من هتفوا يومها ليسوا قلةً قليلةً كما زعم الشيخ، بل كانوا أغلبية المُصلِّين، والتسجيل موجود، وبمقدورك أن تراجعه كي تتأكد من صحة ما ادعيناه، وسنعتذر لك وله إن كان حديثنا خاطئاً، فوق ذلك فإن الشيخ يعلم أن صاحب الهتاف تعرَّض للاعتقال، وأودع زنازين الأمن، ومكث فيها ليُسام سوء العذاب حتى يوم سقوط النظام، فهل طلب فك أسره، وتقبُّل نصيحته؟
- هل كان عمر البشير أعز من عمر الفاروق، ثاني الخلفاء الراشدين، عندما قبل قول من صاح فيه من داخل المسجد: (لا سمع لك اليوم ولا طاعةً حتى تبين لنا من أين لك هذا البُرد الذي ائتزرت به)، فلم يغضب، ولم يعتقله كما حدث لهشام النور، بُعيد مفارقته لمسجد عبد الحي؟
- غالب المحتشدين أمام القيادة مسلمون، خرجوا يجاهرون برفض الظلم، ويبغون الحرية، كقيمة سماويةٍ راسخةٍ في دين الله وشرعه وكتابه الكريم، فتم إطلاق النار عليهم، وقُتل منهم من قُتل، وأصُيب من أصُيب، فهل استنكر شيخنا الجليل ما تعرضوا له وقتها؟
- لا تصدعوا رؤوسنا ـ أخي الطيب ـ بالحديث عن استهداف هذه الفئة أو تلك لدين الله، لأن الإسلام متجذِّر في هذه الأرض، وراسخٌ في وجدان هذه الأمة، وسيظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها وما عليها.
- لقد دخل الإسلام هذه الأرض باتفاقية البقط الشهيرة قبل أكثر من ألف عام، وكانت في حقيقتها أقرب إلى معاهدةٍ تجاريةٍ وسياسيةٍ بين مصر الإسلامية ومملكة دنقلا المسيحية، أو معاهدة حسن جوارٍ، تضمن حرية الحركة والتجارة بين البلدين، ومع ذلك أثمرت ذيوعاً لدين الله، وانتشاراً له بين أهله، بسبب حسن معاملة المسلمين ولين جانبهم مع أهل البلاد الأصليين، مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
- نحن نخرج من بطون أمهاتنا مسلمين، فنسمع أول ما نسمع صوت الأذان، يُلقيه على مسامعنا آباؤنا قبل أن نكمل صرختنا الأولى.
- نحن تركة العابدين الزاهدين الحافظين، أهل تُقَّابة القرآن التي لم تخمد نارها في بلادنا منذ قرون، أحفاد كاسي الكعبة بالمحمل، أبناء السلطان علي دينار، (ساقي الحجيج) في آبار علي جنوب مدينة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، لم نعرف الإسلام في عهد شيوخ التنطع والتشدد والتدُّعش.
- نحن نشّب عليه، ونعيش على هداه، ونتبع أحكامه في كل تفاصيل حياتنا، فنشتري به ونبيع ونتوارث ونتزاوج، حلالاً طيباً لا تخالطه شبهة حُرمةٍ أو منكرٍ.
- نحن أحفاد المهدي وخليفته (ود تورشين)، جاهد جدودنا لتحرير الأرض من دنس المعتدين، ورووا الأرض بدمائهم الطاهرة في الشُكابة والنِخيلة وتوشكي وكرري وشيكان، وواجهوا مدافع المكسيم بصدورهم العارية، مجاهدين شهداء لرفعة الدين.. حتى قال عنهم (تشرشل) هؤلاء أشجع من مشى على ظهر البسيطة.
- نحن الختمية والقادرية والشاذلية والسمانية والمكاشفية، أهل التوسُّط في الدين، لنا المحنَّة والمحبة ولغيرنا البغضاء والتشدد والتكلف.
- غالب أهل هذا البلد الطيب مسلمون بالفطرة، من غير ما تنطعٍ أو تشدد، يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، لا يشركون به أحداً، ويصلون ويُزَّكون ويحجُّون بيت الله، ويوقرون رسوله ويحبون سيرته، وتسيل دموعهم لذكر مناقبه الكريمة.
- استعمر الإنجليز (النصارى) هذا البلد الطيب قرابة الستين عاماً، فهل قضوا على دين الله؟
- حكم الشيوعيون هذه الأمة، في سبعينيات القرن الماضي وملكوا قرارها قبل أن يُولد عبد الحي، فهل اختفى الإسلام من السودان، وهل خفتت جذوته في نفوس أهلنا الطيبين.. ما لكم كيف تحكمون؟
- دين الله باقٍ فينا، ومحفوظ بأمر الله لدينا، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، فلا تدّعوا الحرص عليه، كي تدمغوا المحتجين بالفسوق والتعدي على حرمات الله عدواناً وإثما، لأن إقصاء الإسلام من أرض السودان يمثل عين المستحيل.
- إن ربط التجني على حشد المعتصمين بالخوف على الدين، والحرص على الشرع، حقٌ يُراد به عين الباطل، إذ أننا لم نر ممن ردد ذلك الحديث استنكاراً بذات اللهجة، وغيرةً بذات النبرة، على حدود الله أن تنتهك، عندما تعطلت أحكام الشرع، وفشا الفساد وساد، وصار المال دُوَلةً بين الأغنياء من الأقرباء والمحاسيب، وتمددت العقود الربوية، وساد قانون المرأة المخزومية، إعفاءً للسارقين من المحاسبة، ببدعة التحلل المُنكرة، وتمدد أكل أموال الناس بالباطل، ليشمل السطو على الحُجَّاج والمُعتمرين، فهل تمت محاسبة السارقين المفسدين ومن سطوا على حقوق الفقراء المساكين بما أنزل الله؟
- وأين كان موقع شيخنا الجليل من تلك المظالم والمفاسد؟، هل ضجت برفضه منابر المساجد؟
- لنا عودة إن كان في العمر بقية.