منذ أربع سنوات رفعتُ شعار “الخرطوم تجمعنا”
بعد أن استفزني أحدهم بكيله السباب للمركز ويقصد الخرطوم حيث “الرئيس ينوم
والطيارة بتقوم”، حسب قوله، محرضاً ضد هذه “الخرطوم” التي تستحوذ
على كل شيء، وتهمش غيرها من الأقاليم، وينال أهلها النصيب الأكبر من الثروات،
والاهتمام بالبنى التحتية.
حقيقة استفزني هذا الرأي، لأن لي رؤية مختلفة عن
الخرطوم، وهي أنها بمدنها الثلاث تجمع كل أبناء السودان، وتصهرهم في بوتقة واحدة،
وأن هذا شأن العواصم، التي يأتي إليها أبناء الولايات أو الأقاليم المختلفة
بمخزونهم من العادات والتقاليد والموروثات، لتتمازج جميعها بعفوية، ولتتشكل هوية
جديدة فيها تطبع كل عاصمي، وأهم معالمها إعلاء قيمة الوطن على ما سواه.
كما أن التهميش الذي احتكره صديقي ينسحب على كثيرين في العاصمة، حيث يعيش عدد كبير من المواطنين المعاناة، والقصور في كل متطلبات الحياة، وإذا أغفلناهم وتحدثنا عن تهميش الأقاليم نكون ارتكبنا خطأ فادحاً، وكانت رؤيتنا قاصرة لمشكلة وطنية ينبغي أن تُحل برؤية كلية واعية.
دفعني هذا مع عدد من الإخوان إلى إطلاق نادي الخرطوم في إطار الرابطة الرياضية للسودانيين بالخارج (الصالحية) بالعاصمة السعودية الرياض لتكون مظلة لكل المؤمنين بأن “الخرطوم تجمعنا”، وقام النادي بأنشطة تؤكد هذا المعنى، مع حرص على المشاركة مع كيانات أخرى، لتأكيد مبدأ الهم الوطني الواحد.
وفي غمرة الحماسة للفكرة قلنا إنها “تدور حول
الدور المركزي والرئيس للخرطوم (الخرطوم- أم درمان – الخرطوم بحري)، بوصفها عاصمة
البلاد، والبوتقة التي ينصهر فيها كل أبناء السودان، ومن ثم فهي جامعة لهم، وليست
مهمشة لغيرها من مناطق السودان الأخرى”،
وأن رسالته “تأكيد أن الخرطوم هي الحضن الدافئ والآمن لكل أبناء
السودان، وهي الواجهة للسودان، ويقع عليها عبء قيادة البلاد إلى بر الأمان، برؤى
تزيل فكرة المركز والهامش، وتؤكد ضرورة التنمية المتوازنة لكل المناطق، حتى ينهض
السودان، ويتقدم الدول”، وتتمثل رؤية النادي في “العمل برؤى وحدوية تؤكد
أن التنوع قوة لسوداننا، وأن هذا التنوع يتبلور في شكل هوية سودانية تتضح معالمها
جلية في الخرطوم، التي عليها أن تؤكد أنها توحد ولا تهمش”.
أستدعي هذه التجربة والوطن يشهد مرحلة تحول مفصلية تؤدي فيها الخرطوم دورها في جمع الصف الوطني، إذ يأتي المواطنون إليها زرافات ووحدانا بكل وسائل النقل الممكنة من طائرات من الخارج، وقطارات، وحافلات، وركشات دفاعاً عن ثورتهم، وتختفي كل الشعارات، ويصبح كل دعاء ونشيد وغناء وترنيمة وهتاف للوطن الحضن الكبير، الذي يسع الجميع، كالأم الرؤوم التي لا تفرق بين أبنائها.
إن مشهد تنافس المواطنين من كل أقاليم السودان وتدافعهم للوصول إلى ساحة الشرف في القيادة العامة لهو مؤثر في نفس كل سوداني يحب تراب وطنه، ومستعد للتضحية بكل غالٍ وثمين من أجل رفعته، وهو يؤكد أن الخرطوم فضاء الوطن الأرحب الذي يؤلف بيننا وينسينا ما قد يكون بيننا من اختلافات، وهي رمز عزيز للوطن، كالعلم والنيل.
إن شعار “الخرطوم تجمعنا” يجب أن تتجاوز
فكرتنا البسيطة، لتصبح رؤية وطنية نعكف جميعاً على تأكيدها، مع عزم على إقامة دولة
المواطنة التي لا تهمش أحداً، لتصبح شعار الثورة “حرية.. سلام.. وعدالة”
حقيقة نتنفسها، ونلمسها، ونعيشها، وحينها لا شك سيكون “سودان فوق”
شعاراً وواقعاً.