لنبدأ بالحيثيات ونختم بالتساؤل .
اليوم كان قبل قرابة الإسبوعين ، تحديدا كان الأربعاء الموافق 17 أبريل الجاري . المكان: مطار واشنطن /دالاس ، الشريان الجوي للعاصمة الأمريكية . الساعة تشير الي الحادية عشر ليلا بالتوقيت المحلي . أكملت طائرة الايرباص التركية العملاقة طراز Airbus A340-300 حشو 375 راكبا في جوفها ، وبدأت المحركات في الدوران إستعدادا للإقلاع ، رحلة رقم TK0008 المتجهة الي عاصمة المال والتجارة بتركيا ، مدينة إسطنبول .
من كل هذا الكم الكبير من الركاب ، يهمنا ذلك الراكب الذي يشابه عصفور البطانة في تلفته المذعور وخشيته من كل متحرك في محيطه ، للمفارقة فإن قلبه القاسي وبقدر ما أزهق من الأنفس ، غدا مستعمرة للخوف والوجل .
مقعده هو 04A ودرجته هي رجل الأعمال لكيما تتضاءل فرص مقابلة أي من أرباب الدم أو شرفاء بلاده !
إنه محمد عطا المولي عباس ، سفاح إنتفاضة 2013 وقاتل أطفال دارفور وجبال النوبة وكجبار والمناصير والنيل الأزرق ، نعم هو المسؤول الأول عن كل نقطة دم سالت في أرضنا الطاهرة مابين 2009-2018 .
لماذا ياتري إختار الليلة أن يصلب نفسه لأثني عشر ساعة علي كرسي قاصدا إسطنبول ؟
سنفصل !
أقال المجلس العسكري يوم الأحد 14 أبريل الفريق أمن ، والسفير السوداني بواشنطن لأقل من عام ، محمد عطا المولي ، مهندس مجازر سبتمبر 2013. أقالوه من منصبه وكان الأحري والأجدر أن يستدعوه هو وكل من أقالوهم من السفراء ، علي الأقل لإستجوابهم ، مادام أنهم إختاروهم للإعفاء دون غيرهم لإرتباطهم الأوثق بحكم لص كافوري ، أو لأنهم الأكثر سوءا من بين رصفائهم السيئين !
بهدوء وصمت جاء محمد عطا (62 عاما ) صباح اليوم التالي ، الإثنين 15 أبريل الجاري ، لسفارة السودان بواشنطن . غرض الزيارة ذلك الصباح كان لإنهاء إجراءات تسليم السفارة للوزير المفوض محمد عثمان عكاشة . وبعد يومين سلم المنزل وفورا إبتلعته الأرض وغطس في مكان ما في هذه المدينة المأهولة صحبة زوجته مها الشيخ بابكر و بنتهم الوحيدة الطفلة القاصر !
في يوم 17 ابريل ( بعد 3 أيام فقط من إعفائه من منصبه ) كان المهندس بالشهادة والجزار بالفعل يتسلل سرا من واشنطن قبل منتصف الليل بساعة ليطير الي إسطنبول وفي صحبته ٤ شنط كبيرة !
لا علم لنا بمحتويات ذلك العدد من الحقائب الكثيرة ( لكنها بلاشك تثير الريبة وتقدح زناد الخيال في ماهية المحتويات ، فمن غير المألوف لرجل يسافر بمفرده ولمدة إسبوعين فقط أن يتكبد مشقة هذه الحمولة وبخاصة أن أسرته تتخلف وراءه ، ولا علم لنا بأسرة تنتظره في الضفة الأخري من المحيط !!) ياتري ماذا في تلك الحقائب من أوراق وأسرار ، بل ولماذا إسطنبول بالذات دون غيرها من كل مدن هذا الكوكب ؟
حصيلة الاجابات التي خرجنا بها من تساؤلاتنا التي إنطلقت في كل إتجاه توافقت علي أمر واحد وهو أن قاتل الشرفاء وصل لإسطنبول بهدف ترتيب محفظته المالية ولجرد أرباح ودائعه وودائع زوجته المليونيرة مها الشيخ ، صديقة لصة الجمهورية الأولي ، وداد بابكر مضوي .
وصل محمد عطا الي إسطنبول يوم الخميس 18 ابريل وقضي ماتبقي من ساعات اليوم في غرفته بالفندق ، وفي يوم الجمعة كان أول المداوميت أمام البنك . طيلة العشرة أيام الماضية لا برنامج له سوي الدوام والمرابطة في مكتب مدير حسابه الخاص ولا حديث سوي الودائع ولا نشاط يمارسه غير فتح حسابات جديدة لتحويل الفلوس واعادة ترتيب المحافظ الماليةوبخاصة أن إبنه الاكبر (عبادة) يحضر دراساته العليا في بريطانيا في الهندسة أما(البراء) فهو يدرس في تكساس .
منذ أن غيّرت ماليزيا قوانينها المصرفية ، وأصبحت مصارفها أكثر تشددا في قبول ودائع الأجانب ، هربت الرساميل المسروقة من خزينتنا وعرقنا وإستوطنت في إسطنبول . فغدت تركيا ، الي جانب مسلسلات مهند ، هي ماليزيا الجديدة للصوص السودان ، وطارت لتحتكر الترتيب الثاني بعد دبي في حجم الودائع المالية الخاصة “بالجماعة ”!! ومع تزايد الإرتباط المالي فإن السفارة في أنقرا والقنصلية العامة في إسطنبول أصبحتا ملكا خالصا للتنظيم وجهاز الأمن .
فالقنصلية العامة في إسطنبول يقوم علي أمرها القنصل خالد الشيخ ، تساعده ايمان محمد كملحق إداري وعمر محجوب كملحق مالي . أما مصطفي عمر فهو مسؤول جهاز محمد عطا وعيونه علي الجالية ومعه شخص آخر يشغل مكتبا إختاروا له إسما “فرائحيا “ للتمويه إذ أسموه الملحقية الفنية !!
في تركيا تفتقت عبقرية التنظيم الاسلامي السوداني عن خلق شركة إسمها “سنكات” تابعة للتصنيع الحربي ( جياد سابقا). إختاروا لها عنصرا خاصا هو الذي تولي إدارتها منذ نشأتها والي عام 2010 هو محمد المجذوب الذي لا يزال يمارس التجارة مع “الجماعة “ ويدير أصولهم العقارية المتناسلة من شقق سكنية وعمارات إستثمارية في الكثير من الأحياء الراقية ذات العوائد الاستثمارية العالية .
في أوج عزها تخطت ميزانية شركة سنكات180 مليون دولار ويترأس مجلس إدارتها حاليا عابدون خيري بينما يشغل الشاذلي عبد القادر منصب المدير المالي فيها . تلتحق مع شركة سنكات توأمها ، شركة “قلوبال” للشحن ، وهي تحتكر شحن 90% من البضائع المصدرة من تركيا للسودان بما في ذلك شحنة البمبان التركي التي وصلت بأمر صلاح قوش عندما نفد البمبان ! المدير العام لشركة قلوبال للشحن هو نادر عباس ويقال بأن من موّل شحنة البمبان كان هو راشد كمال، ضابط الأمن السابق الذي تم إرساله قبل حوالي العام ، أي في عهد قوش ، وأسس شركة برأسمال ضخم بلغ بضعة ملايين من الدولارات وقام بتأسيس وإستئجار مكتب في منطقة اسينتبا الفاخرة وهو كما أسلفنا المتهم بتمويل شحنة البمبان الاخيرة بالتعاون مع مكتب سنكات.
في السنوات الأخيرة إتجهت أموال السودان المهربة الي تركيا وتم توظيف غالبها في قطاع العقارات وأثري كثير من الانقاذيين جراء الاستثمار في شراء الشقق في المناطق الراقية ، كمجمع فينيسيا ومجمع مول اوف اسطنبول . ومع تزايد تدفقات فلوس النهب السودانية بدأت كثير من الأسماء العاملة في التجارة والعملة في الظهور . من هذه الأسماء إبراهيم ، نجل محافظ بنك السودان السابق الشيخ سيدأحمد الشيخ الذي يتخصص في بيع الشقق الفخمة التي يبلغ سعرها في المتوسط 230 ألف دولار فضلا عن تملكه شركة سودانية تحتكر التحاويل المالية بين السودان وتركيا بفوائد تصل الي 6% .
أيضا من الاسماء التي وجدت طريقها بأموال شعبنا الي العقارات التركية المدعو محمد عبدالله جار النبي صاحب شركة “كونكورب” للبترول ، وهو الذي أثري من عمولة شراء شركة شيفرون في غضون عام 1992 بأموال الأخوان الانقاذيين للتحايل علي مبدأ امريكي يحرم بيع الاصول التجارية للشركات الأمريكية للحكومات . المهم أن الرجل أصبح الان يشتري ويبيع ويتاجر علي نطاق واسع ويلبي رغبات أحبابه الخارجين من لهيب الثورة الي الشواطئ التركية اللازوردية . فيقال مثلا أنه إشتري خلال الشهر الثاني من الحراك 13 شقة في إسطنبول بالقرب من مجمع مول اوف اسطنبول !!
وصلنا الآن الي مها الشيخ بابكر( 53عاما ) زوجة محمد عطا منذ 27 عاما .
في الدوائر المقربة للأسرة يجمع العارفون أن السيدة مها الشيخ بابكر هي الأوفر أموالا وعقارا مقارنة بزوجها وبخاصة انها عملت ، ولأكثر من 10 سنوات ، كمديرة تنفيذية لمنظمة سند الخيرية التي تترأس مجلس إدارتها الحرامية الأولي، وداد بابكر مضوي . فمنظمة سند كانت معفاة من كل شئ ، ولا يطلع علي حساباتها حتي عنكبوت المكاتب! وحتي بعد مغادرتها لمنظمة سند الخيرية ، فإن مها الشيخ ظلت مهيمنة علي القصبة الهوائية للإعلام السوداني بسيطرتها التامة علي إعلام الانقاذ برمته وليس قطاع الإعلام بولاية الخرطوم فقط ، كما يتوهم كثيرون . فالمسمي الوظيفي الأهم لها هو أنها كانت أمين الاعلام والتوثيق للحركة الاسلامية السودانية بكاملها فوظفت صلاحياتها وإستخدمتها كيفما شاءت وأينما شاءت وقدر ماشاءت . ونظرا لعلاقتها الخاصة جدا بحاتم سليمان فقد قلبت بمحادثة هاتفية واحدة أوراق قضيته وأخرجته بالبراءة رغم إعترافاته الأولي وإدانته ! ظلت مها الشيخ تستخدم نفوذ زوجها مدير جهاز الرعب ، بلا رادع ، لتحقيق مآربها . يؤكد العارفون بأوضاعها المالية أنها ثرية جدا ولها شهوة في تملك العقارات والأراضي متجددة لا تنطفئ ولا تقنع أبدا .
الأغرب ، والمضحك في آن ، أن تخلو قائمة لصوص الأراضي التي تم حظر أصحابها من التصرف فيها من أسم مها الشيخ بابكر ! فهناك من يجزم بأنها تتملك أكثر من 40 قطعة فاخرة مابين حواشات زراعية وحيازات وقطع سكنية ! ! ويكفي أن نشير لمزرعة محمد عطا في غرب أمدرمان علي طريق دنقلا .
سيعود سفاح سبتمبر 2013 الي واشنطن يوم الخميس الموافق 2 مايو الساعة السابعة والنصف مساء علي رحلة رقم TK0007 بعد أن يكون قد فرغ من ترتيب ما سرقه من أموال شعبنا وحوله لإستثمارات ينعم بها ويسند بها أمر معاشه وتكسبه ، فلا يذوق فقرا ولا يحتاج لعمل ! كيف يجوز عقلا أن يكون السفاح محمد عطا وزوجته المليونيرة اللصة مها الشيخ بابكر أحرارا في هذا العالم يتمتعون بما نهبوه وجرحي الثورة يدفعون فواتير المشافي بالاستدانة تارة بل ووصل الحد أن بعضهم باع مسكنه ليعالج عينه التي فقأها البمبان بعد أن حرق وجهه ؟؟
فالمجلس العسكري الذي أقال عطا ، وجرّده من وظيفته كقائم بالأعمال كان حَرّي به أن يطلب من هؤلاء السفراء اللصوص و”النائمين بالأموال “ لا القائمين بالاعمال ، العودة للخرطوم فورا ، بدلا من أن يقيلهم ويتركهم يدامون في ذات السفارات لأيام وأيام ، يمزقون الملفات ويحرقون الأوراق وينهبون ما تبقي في الخزانات أمام مرأي ممن إختاروهم من طواقمهم الوظيفية ، وهم في غالبهم من أجهزة الأمن والحزب !
إن المشهد العام في سفاراتنا الخارجية محزن جدا ويستحق قرارات سريعة وحاسمة توقف اللصوص وتكف أيديهم عن نهب ماتبقي ، وعلي الاقل نحافظ علي خزانات الاوراق السرية وما تبقي منها ، فالأوراق هي ذاكرة المكاتب .
لتكن البداية بتصفية شركة سنكات في تركيا وإستدعاء كل الطواقم العاملة هناك فورا .
أما المجرم محمد عطا ، فسوف نظل نلاحقه بما أقسمنا عليه من قصاص لشهدائنا الأبرار ولن نتركه . سنجعله أول من تُطْبِق عليه الأرض وتزحف عليه من أركانها ، فتتضاءل مساحتها وتنعدم خيرات الهرب ، لن نتركه ودماء من دفنا من قتلاه تستصرخنا بالقصاص . سنظل نلاحقه باللعنات التي تحل بالقتلة وسافكي الدماء المعصومة حتي نوصله الي منصة القصاص الحق فتطبق علي رقبته حبال تشتاق لرقبته بعد أن طحن بها الالاف من الرقاب البريئة . في تلك المنصة العدالة ستنهض الاكفان من مراقدها وتشهد علي فعائله وإجرامه وتقول أنه يستحق الشنق ، فيفطس. يومها ربما ستزغرد أم أحد الشهداء ، رغم كآبة المشهد ، لكن حتما ستنطفئ الأنوار ويسدل الستار علي قاتل ستظل أمته تشيع ذكراه بالبغض واللعنات ويلوذ أهله ومعارفه بالصمت خجلا من قساوة وقبح فعائله !
قسما بالله لن نتركك يامحمد عطا المولي عباس .