من حسن الحظ أن الوثيقة الدستورية التي طرحتها قوى الحرية والتغيير تعتبر حتى الآن مجرد مسودة ما دامت مبذولة في الهواء، ولم يوافق عليها المجلس العسكري، وقد تمكنت من وضع يدي على بعض الملاحظات نوردها هنا عسى أن تنتبه قيادة قوى الحرية والتغيير لمعالجتها قبل أن تصبح بمنزلة كعب أخيل الذي يجردها من قيمتها عند التطبيق ويجعل منها مجالاً للتنازع من جديد.
أغفلت الوثيقة النص على المواد التي تنظم النائب العام والجهة التي تقوم بتعيينه خلال الفترة الانتقالية، ولعل ذلك قد حدث نتيجة السهو، أو أن الذين صاغوا الوثيقة انصرف ذهنهم إلى أنه منصب تشمله تشكيلة مجلس الوزراء، والصحيح أن النائب العام سلطة مستقلة كشأن القضاء وكان ينبغي معالجة ما يتعلق به في مواد منفصلة تؤكد استقلاله وآلية تعيينه.
تنص الوثيقة على تعيين رئيس القضاء بواسطة المجلس الأعلى للقضاء، وهو مجلس لا وجود له عند صدور الوثيقة، ويلزم لميلاده مرور فترة طويلة من الزمن قبل تشكيله كما يأتي توضيحه لاحقاً، بما يعني أن يظل رئيس القضاء الحالي والقضاء نفسه على حاله المشوه حتى ذلك التاريخ.
بحسب الوثيقة، يتولى مجلس السيادة تعيين مجلس القضاء الأعلى بموافقة البرلمان، والصحيح أن مجلس القضاء الأعلى لا تجرى فيه تعيينات من الأساس حتى يصادق عليها البرلمان، وانما يكون هناك تحديد للمناصب التي يتشكل منها المجلس مثل رئيس القضاء ونوابه ورؤساء الأجهزة القضائية والنائب العام ونقيب المحامين وعميد كلية القانون .. الخ.
كان المؤمل، ولا يزال، أن يكون تعيين منصبي رئيس القضاء ونوابه والنائب العام بقرار من مجلس السيادة بناءً على توصية من قوى الحرية والتغيير، وهي نفس الآلية التي تم الأخذ بها في تعيين مجلس الوزراء والبرلمان، مع النظر إلى اتصال المنصبين بعملية العدالة الانتقالية المنتظرة.
وينسحب ما ورد على منصب المراجع العام.
تبقى القول أن هذه ليست كل الملاحظات ولكنها أهمها، وهناك عيوب أخرى كثيرة في الصياغة نذكر من بينها النص على أن يكون رئيس القضاء مسؤولاً عن إدارة القضاء أمام مجلس السيادة، والصحيح أنه مسؤول عن أداء القضاء أمام مجلس السيادة وليس إدارته.