فى حالة النهوض الثوري العام في البلاد دائما تتكون الكتلة الحرجة من جماهير عامة، لا منتمية سياسياً لحزب بعينه، تنحاز لها القوى السياسية المنظمة والقوى المهنية، تنشأ الكتلة الحرجة وتتسيد المشهد السياسي الثوري في البلاد، وتسقط النظام ، حدث ذلك في إكتوبر وابريل والآن في ديسمبر.
هذا المشهد العظيم، يداعب خيال العديد من الساسة والمفكرين، لماذا لا تصبح الكتلة الحرجة حزباً سياسياً دائما في البلاد ، ليقطع الطريق أمام الأحزاب التاريخية من قيادة المراحل الديمقراطية، لقد تكررت المحاولات لإستيعاب الظاهرة خلال ثورتين ماضيتين، ولم تنجح الفكرة.
بعد ثورة اكتوبر المجيدة، تم طرح فكرة تحويل جبهة الهيئات إلى حزب سياسي بدينامية الحزب الشيوعي، فانقسم الثوار بين عدة منابر منها، منبر الإشتراكيبن الديمقراطيين، ومنير جبهة الميثاق الإسلامي ومنبر جبهة الجنوب، واندفعت التكوينات الإقليمية على رأسها إتحاد جبال النوبة.
انتهت هذه التكوينات كلها إلى وجود محدود في برلمان إكتوبر، وعادت القوى السياسية التاريخية باغلبيه مريحة للبرلمان ،تكرر ذات الحلم لتحويل التجمع الوطني الديمقراطي للإنتفاضة وتحويله لحزب الأغلبية الصامتة من دار المهندس ، جاءت الإنتخابات فإنحازت الأغلبية الصامتة لاحزابها التاريخية للمرة الثانية.
الواقع الإجتماعي في السودان واقع معقد، وهو خليط ما بين الطائفية الدينية، والقبلية والجهوية وتيار وسطي محافظ واسع، رابط بين الدينية والقبلية، تفكيك هذا الواقع والإنتقال به لمربع جديد يقتضيه منهج متكامل، يشمل تغيير بنية الإقتصاد التقليدي، القائم على الزراعة المطرية والرعي، وكذلك توسيع القطاع الحضري ، الذي تسوده علاقات إنتاج قائمة على روابط العمل، هذا هو المدخل العلمي للتغيير ، الذي يحتاج لبرنامج متدرج وطويل المدى.
الرغبات السياسية العجولة، للقفز على هذا الواقع تمثل خِفه سياسية، تقود لتجريب المجرب، وإجترار الخيبات، السودان حقيقة يحتاج لإنتقال جديد وتاريخي، ويحتاج لقطع الطريق لمنع السير في الطرق المسدودة قصيرة الافق وفطيرة التصور.
لكى نخرج من إعادة إنتاج التجارب الفاشلة، الطريق الصحيح، (عقد مصالحة تاريخية بين القوى الحديثة والتقليدية)، وإلغاء الصراع الايدولوجي القاصر، وإنهاء الانقسام على الثنائيات، (إسلام وعلمانية، أشتراكية ورأسمالية، وانصارية وختمية).
المدخل لهذه المصالحة تكوين الكتلة التاريخية، القائمة على برنامج وطني شامل، تفتقده البلاد منذ الإستقلال، يجمع قوى الحداثة وقوى الريف، ويخدم مصالحهم، في دولة مدنية تستهدف التنمية وتعزيز السلام، تكوين الكتلة التاريخية المشتركة أفضل من الصراع والمواجهات السياسية، كتلة ذات برنامج موحد، خلفها قاعدة جماهيرية (Electable front ) توفر لها الأغلبية النيابية لتحكم البلاد، العقدين القادمين.
بناء وتأسيس الكتلة التاريخية التي تحقق المصالحة بين ثنائيات الصراع، الذي أقعد البلاد، هى طريق الإستنارة والوعي، لتجنيب بلادنا أزمة الدائرة الشريرة التي لازمتها منذ الإستقلال.
أنصاف الساسة وقصيري النظر، والمتعجلين لرغباتهم، يجب أن لا يمنحوا الفرصة هذه المرة، لإفراغ ثورة الشعب العظيمة للمرة الرابعة، من مضمون جديد وتقدمي، يقوده فكر مستنير، يبتعد عن الهتافية والديماجوجية، يقدح زناد الإستنارة والحكمة، مستوعب للتاريخ ومدرك لواقع المجتمع.
تكوين الكتلة التاريخية، هي الإجابة الصحيحة للأزمة التاريخية التى ستخرج البلاد إلى التقدم، تكوين حزب لتجمع المهنيين، هو بداية السير في الطريق الخطأ، لإعادة إنتاج الماضي منذ الإستقلال، لقد كتبت ورقة متكاملة عن كيفية تكوين الكتلة التاريخية والتصور النظري لها، لقيادة سودان المستقبل منذ العام ٢٠١٤م، وقد طرحتها على كل قيادات القوى السياسية الوطنية، وإنعقدت بعض ورش العمل من طيف فكرى واسع لدراسة كيفية إنزالها لأرض الواقع.
ختامة
المصالحة التاريخية بين القوى(الحديثة والتقليدية) وتكوين الكتلة التاريخية هى الحل لسودان المستقبل.