• إخواننا الناشطون الثوريون الإسفيريون، وزعماء الإعتصام الشباب، ومشاهير معتقلي الشباب، كأمثال البوشي والأخوين (الضي بشارة) وذا النون، وغيرهم، وإذا كان ثمة ما نُسديه إليهم من نصح، فهو أن هناك مواضيعَ حساسة، وهي مثل الحقول الملغومة، من الخير لهم تجنب التحدث عنها في الوقت الراهن جملةً واحدة، لا إلى الجماهير، ولا إلى الصحافة، ولا للأسافير عموماً..
وفي المقابل فإنَّ هناك مواضيعَ آمنة، وممهَّدة، وهي بمثابة الحقول منزوعة الألغام، يمكنهم التحدث عنها بحرية، والتحرك خلالها بأمان وطمأنينة، وسينالون تصفيقاً حاداً من مريديهم، ومن غيرهم من الثوار، طالما ظلوا يتحدثون من تلك المناطق الآمنة، عن تلك المواضيع الآمنة..
• الجماهير الثائرة عادةً، وفي فورة إندفاعها، لا تتقبل أن تستمع إلا لما يحلو لها أن تسمع، وعليه فليس من الحصافة السياسية أن تتحدث إليها بخلاف ما يحلو لها أن تسمع..وأنت في الحقيقة لن تخسر شيئاً إذا فعلت ذلك، طالما أنك غيرُ مضطرٍ لقول ما هو غير ذلك..وفي حالتنا السودانية فإن أحبَّ ما تريد جماهيرنا سماعه الآن، وهي في باحة الإعتصام، أو في بيوتها، هو إزالة النظام البائد بكل أشكاله، وكنس آثاره، والقبض على رموزه، وتفكيك حزبه، ومصادرة دُوره، وإعتقال لصوصه، والحجز على ممتلكاتهم، والزج بهم في كوبر، وتشكيل حكومة تكنوقراط مدنية، وإبعاد العسكر عن الهيمنة على سيادة الدولة إلى آخر تلك المطالب الجماهيرية المشروعة والمُلِحَّة.. وكما هو ملاحظ فهذا طيفٌ واسعٌ جداً يتيح لكل متحدثٍ حريةَ حركةٍ واسعة، دون أن يتعثر في أيِّ لغمٍ، أو شوك، أو مطب..
ومن الجهة الأخرى فإنَّ الحديث عن عِلمانية الدولة، ومصادر التشريع في دستورِها، وكل ما يتعلّق بالماليشيات، وقوات الدعم السريع وقائدها، وبقاء جهاز الأمن الوطني والإستخبارات، أو حلُّـه، وبقاء الجيش السوداني باليمن أو سحبه، والعلاقات بدول الخليج كلها مواضيع شائكة، ومُلغَّمة يجدُر مقاربتها بحذر، والأفضل إرجاء الحديث عنها..
وما ينطبق على هؤلاء وتحذيرهم ، ينطبق بلا أدنى شك، على السادة أعضاء المجلس العسكري، وعلى مناديب الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين، إذ إنَّ ذات المناطقَ وعِـرةٌ عليهم، وشديدة التلغيم كذلك، ويجدر تناولها، والإقتراب منها بحذرٍ بالغ..
حتى الآن، وبحمد الله، هناك غُرفٌ مغلقة يجتمع فيها مندوبو قوي الحرية والتغيير بأعضاء المجلس العسكري الإنتقالي للتشاور، ولبحث تصور شكل الدولة السودانية في الفترة الإنتقالية..وفيها يجب أن يتم تناول مثل تلك المواضيع الشائكة.. طبعاً ليس معنى ذلك أنه يجب عليهم إخفاء أيّ حقائق عن جماهيرهم، ولكن المطلوب أن يتجنبوها، ما أمكن، إلا بأقل القليل، حتى يصلوا إلى رؤى مشتركة فيها، وإلى توافقٍ معقول بشأنها..
تحدَّث ذا النون مثلاً في المنصة قبل أيام عن لقائه بالفريق حميدتي، ولم تكن له صفةٌ مناسبة للإجتماع به خاصةً، وأن الفريق حميدتي كان قد فلتت منه بعض التصريحات المغلفة بتهديد، مما جعل الثوار (يأخذون في خاطرهم) منه، وإن كان قد تقارب من الثوار لاحقاً..كما أن ذا النون نفسه ظلّ ينتقد تجمع المهنيين بحدة، وقبل رجوعه للسودان، ربما ظناً منه أن شعبيته تضاهي شعبية تجمع المهنيين، وكانت تلك منطقةً ملغومة، كلفت ذا النون عالياً، وأجبرته على النزول من المنصة مطروداً شرّ طردة..
الناشط البوشي كذلك تحدث عن حرية المرأة بطريقةٍ مصادمة قبل يومين، وهو لم يكن مضطراً أصلاً لهذه الطريقة التصادمية التي ستكلفه عالياً..
السيد الفريق حميدتي، وفي بداية توليه لمنصب نائب رئيس المجلس العسكري، أعلن، ودون حذر، أنه ضخَّ في خزينة بنك السودان ما يزيد عن المليار دولار، وقال إن (الحساب ولد) لاحقاً، وكانت تلك منطقةً شديدة الوعورة، بالنظر إلى وضعه هو الشخصي، ووضع قوات يقودُها، وهي تابعةٌ نظرياً للجيش السوداني، وفي ذات الوقت تحتكم على مثل هذه المبالغ الطائلة، وتمتنُّ بها على الشعب السوداني، وإن لم يقصد الفريق حـميدتي ذلك..ثم أنه ومن غير أن يقصد، صادم رغباتٍ جامحة للثوار بما يشبه التهديد بفض إعتصام القيادة، ولو جزئياً، تحت غطاء فتح الطرقات والجسور.. وتلك كانت مقاربةً شائكة، كان الواجب ولوجها بحذرٍ شديدٍ، وحَيطة..
• أنا لوكنتُ في موضع النصح للفريق حميدتي، أو لقوى الحرية والتغيير، أو لتجمع المهنيين، أو لو كنتُ صديقاً لهؤلاء النشطاء الشباب، فستنصبُّ إستشارتي لهم قبل كل مخاطبة، أو إجتماع، أو مقابلةٍ صحفية فقط في تحديد أماكن تلك الحقول الملغومة في الإجتماع، أو المقابلة المزمعة، وكيفية التعامل معها..
• السياسي الحصيف لا يتناول المواضيع الشائكة في الفضاءات المفتوحة، إلا بكل حذر، ويتجنبها تماماً ما وجد إلى ذلك سبيلا..