أوردت وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف. ب) تحليلاً للوضع السوداني تناولت فيه تأثير بعض الدول العربية في مجريات الثورة السودانية، وجاء التحليل على النحو الآتي:
فيما يضغط المتظاهرون المعتصمون خارج مقر الجيش في الخرطوم من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين، يلقي حلفاء السودان العرب الرئيسين بثقلهم ودعمهم خلف المجلس العسكري الحاكم، بحسب محللين.
أطاح الجيش السوداني الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/ابريل الفائت إثر انتفاضة شعبية، ومذاك يقاوم المجلس العسكري الذي تولى السلطة الدعوات لتسليم السلطة للمدنيين.
وفشل المجلس المكوّن من عشرة أعضاء وقادة الاحتجاجات في تحقيق اختراق في المباحثات المستمرة منذ أسابيع لتشكيل مجلس عسكري مدني يتولى الحكم.
وفيما تؤيد حكومات غربية مطالب المتظاهرين بنقل السلطة، قدم حلفاء السودان الرئيسيون السعودية والإمارات ومصر الدعم للمجلس العسكري للبقاء في الحكم فترة أطول.
وقال الخبير في الشأن السوداني في جامعة هارفارد أريك ريفز إنّ “هناك إشارات واضحة أنّ مصر ودول الخليج العربي ألقوا بدعمهم خلف المجلس العسكري، وهو أمر يشجع المجلس” للتمسك بموقفه.
وبعد أيام قليلة من إطاحة البشير، أعلنت السعودية والإمارات دعمهما للمجلس العسكري، بالدعوة إلى تعزيز “الاستقرار” في السودان.
وقدّمت هذه القوى الخليجية الغنية حزمة مساعدات بلغت 3 مليار دولار للسودان الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة، شكّلت سببا رئيسيا في التظاهرات ضد نظام البشير.
وبالإضافة إلى السعودية والإمارات، يقول محللون إنّ مصر تحاول استغلال نفوذها الدبلوماسي من موقعها كرئيس حالي للاتحاد الإفريقي لتمديد الإطار الزمني الممنوح للسودان لتحقيق “انتقال ديموقراطي”.
وقال خالد التيجاني رئيس تحرير صحيفة إيلاف الاقتصادية الاسبوعية “بالتأكيد هذه الدول ترى أن من الضروري وجود الجيش في المجلس السيادي”.
وقالت الأستاذة بجامعة نيوكاسل ويلو بريدج مؤلفة كتاب “الانتفاضات المدنية في السودان الحديث” إن “أحد اهم مصالح السعودية والإمارات سيكون ضمان أن تظل السودان ملتزمة بنشر قواتها في اليمن”.
وأرسل البشير قوات سودانية إلى اليمن في العام 2015 في تحول رئيسي للسياسة الخارجية جعل السودان يكسر ارتباطه المستمر منذ عقود مع إيران الشيعية وينضم للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في مواجهة الحوثيين الشيعة المدعومين من طهران.
وأفاد محللون ومنظمات حقوقية أنّ رئيس المجلس العسكري الحاكم الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو الملقب حمديتي هما مهندسا نشر القوات السودانية في اليمن.
وقالت بريدج لوكالة فرانس برس إنّ الدولتين الخليجيتين “تريدان على الأرجح الإبقاء عليهما(البرهان وحمديتي) في أقوى مركز ممكن”.
ولا يعرف بشكل واضح عدد الجنود السودانيين في اليمن، لكن تقارير إعلامية سودانية ذكرت أنّه تم نشر مئات الجنود والضباط كما أشارت لسقوط ضحايا في صفوفهم، ما غذى الغضب الشعبي ضد البشير قبل إطاحته.
وبعيدا عن النزاع الدامي في اليمن، تحتفظ هذه القوى العربية بسبب داخلي لدعم الجنرالات في الخرطوم، ألا وهو الخوف من وصول تاثير التظاهرات إلى بلادهم.
أذ تتوجس بعض الحكومات في المنطقة من أي فرصة لتكرار تظاهرات الربيع العربي التي هزّت مصر والمنطقة بأكملها تقريبا,
وقال ريفيز “لا مصر ولا دول الخليج تريد ديموقراطية علمانية في المنطقة … نموذج خطير لشعوبها التي تعاني من أنظمتها القمعية”.
وتحتفظ مصر بدوافع خاصة تجعلها تود أن يبقى السودان في قبضة العسكر.
وقال التيجاني إنّ “علاقة مصر بالسودان أكثر تعقيدا من العلاقات مع دول الخليج”.
واتسمت العلاقات بين القاهرة والخرطوم بالتوتر لسنين طويلة بسبب خلافات حدودية وخلافات حول بناء إثيوبيا سد النهضة على النيل تقول القاهرة إنّه يهدد حصتها من مياه النيل.
لكن قبل سقوط البشير، عزز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علاقاته بالخرطوم، وقال محللون إنّ السيسي يرى في العسكر رهانه الأفضل للحفاظ على العلاقات مع الخرطوم.
وحين سقط البشير، أعربت القاهرة عن إيمانها الكامل في “قدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني المخلص في تخطي تحديات هذه المرحلة الحرجة”.
لكن الشارع السوداني الغاضب لاحظ مناورة القادة العرب.
والشهر الفائت، تجمع محتجون أمام القنصلية والسفارة المصريتين في الخرطوم.
وحمل العديد من المتظاهرين لافتات تدعو السيسي إلى عدم التدخل في الشؤون السودانية. وهتف المتظاهرون “قول للسيسي، دا السودان، وأنت حدودك بس أسوان”.
كما خرج المتظاهرون في مسيرات ضد السعودية والإمارات رغم حزمة المساعدات التي تم تقديمها للسودان لدعم الجنيه السوداني وتوفير المساعدات الغذائية والنفطية لبلادهم.
وقد حمل الكثير منهم لافتات تقول “لا للمساعدات السعودية والإماراتية” و”اتركونا وحدنا”.
وقال المحلل ريفز إنّ مصر والسعودية والإمارات “يقاتلون بقوة بالنيابة عن المجلس العسكري، وبهذا السلوك فإنّ جانب الانتفاضة سيحمل الكثير من الضغائن لهم”.
وحذّر أنّ هذه المشاعر “لن تنسى إذا نجحت الانتفاضة”.