المجلس العسكري
الجنجويدي وبدعم من التحالف الكيزاني داخل وخارج السودان ودولته العميقة الآن
يلتقطون انفاسهم ويبدؤون الهجوم المعاكس على ثورة الشعب العظيمة، في اطار الاداء
البائس للقوى الجديدة التي هيمنت على المشهد، والتي تفتقر الي الخبرة والدراية
ويكتنف سلوكها التعالي الزائف وهشاشة الرؤية وضعف المفاوض.
للأسف بدأت المشكلة عندما ركبت هذه المجموعات الصغيرة بقياداتها
الضعيفة على ظهر ثورة الشعب العظيمة، وفرضت رؤياها المرتبكة على حلفائها واصرت على
موافقتهم والبصم عليها، ولم تستمع لأي رأي آخر، عند تلك اللحظة بدأ تقسيم الصف
الوطني المعارض، والذي شكلت مساهماته المختلفة باختلاف مكوناته عماد الثورة،
وواصلت تعديها على الحلفاء في الصف الوطني بلا مبررات موضوعية وخاصة على القوى
الوطنية الكبيرة والمتجذرة في الواقع الوطني، وعمدت الي تأليب الشارع عليها
بأكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة، وهي أكاذيب أثبتت الايام القليلة من ايام الثورة
كذبها كلها، وانكشفت تلك التجارة البائرة وعادت تلك القوى الحقيقية للحضور مجددا
الي المشهد بعد أن تعثر المسير وكاد ان يضيع الأمل..
إن من أهم اسباب هذا
الضياع والشحن ونذر الفوضى التي طلت برأسها سببه سلوك هذه القوى الصغيرة وتصدر
قيادات للمشهد المعارض بلا استحقاق موضوعي، وفشلها في إدارة المشهد بسبب ضعف
قدراتها وقلة خبراتها وغياب حسن تقديرها لقوة موقفها كممثل لهذه الثورة العظيمة
ولعدم تقديرها لحجم العدو وسوئه، مما جعلها اللعوبة بأيدي العسكر الذين يسيرهم
قادة النظام المندحر من خلف الستار وفق خطة محكمة مازالت في سطورها الأولى. تميز ادء هؤلاء القادة الهرجلة والربكة وعدم وضوح
الرؤية واضاعة الكثير من الوقت في النقاشات خارج الطاولة، مما مكن النظام المندحر
من التقاط انفاسه ومن ثم التمترس خلف دعاوي الحرص على سلامة الوطن والمواطن،
ومكنهم ايضا من الاستحواذ منفردين بالسلطة كاملة على كافة مستوياتها حتى وأصبح
المفاوضون عندهم كالشحاذين في موائد اللئام، يطلبون سلطة اتتهم مختارة تحت وطأة
التضحيات والدماء والشهادة فأضاعوها بسوء التقدير وقلة الخبرة وخوار العزائم.
لقد تنمر العساكر وواصلوا
هيمنتهم على كل مفاصل الدولة عندما انكشف لهم ضعف المفاوضين وضعف قدراتهم
التفاوضية وصغر القوى التي يمثلونها.
إن ما قامت به الشوارع السودانية ثورة عظيمة غير مسبوقة في كثير
من صورها، وهي بلا شك أكبر من قدرات وامكانات هذه القوى الصغيرة. وقد اثبتت الايام
أنها أكبر من تقديرات قيادات تلك القوى وأكبر من خيالاتهم وليس مستغرب تواضع
النتائج وعمق التعقيدات التي اوصلوا لها المشهد الوطني.
وتواصل شق الصف الوطني
عندما انطلقت هذه القوى الصغيرة محدودة الشعبية وقليلة الخبرة وفي شفقة ظاهرة
واستعجال بائن محاولة الاستحواذ على قيادة نتائج الثورة بعد نجاحها، كأن المعركة
قد حسمت ودانت قطوفها، فنصبت من نفسها حكما للنضال وميزانا للوطنية بين قوى الشعب
المختلفة، وصكت اذانها عن سماع نداءات الكثير من الساسة والمفكرين وأهل الخبرة من
الوطنيين الصادقين وقفلت الأبواب على اي افكار ومحاولات مشفقة على ثورة الشعب
وخائفة من ضياع فرصة تاريخية للانتقال بالوطن من معارك الصراع الطويل الي حيث
الاستقرار والحرية والتبادل العادل للسلطة وفق معايير الديمقراطية المتعارف عليها.
إن أولى الحقائق التي لا جدال حولها أن هذه الثورة المباركة ما
كانت ضربة لازب ولم تكن جهدا مبتورا او حدثا مفاجئا وانما تحققت من خلال معارك
متواصلة على طول مدة الانقاذ الي ان وصلنا محطة ديسمبر 2018. وما كانت ثورة عمرية
خالصة للشباب وحدهم وانما كانت نتاج تراكم خبرات متشابكة تبودلت بين الاجيال وكان
الشباب هم ترجمانها وليس في ذلك غرابة فالثورات في كل العالم وعبر كل حقب التاريخ
يصنع مشاريعها الكبار من الآباء والساسة والمفكرين وينطلق بها الشباب في الشوارع.
أما محاولة التصوير انها ثورة لقطاع واحد هو قطاع الشباب فقد كان تصويرا خاطئا تم
تبنيه في اطار مشاريع العزل والتصنيف الجائر.
أظهرت الايام الماضية من عمر الثورة بعد السادس من أبريل فشل
هذه القوى في إدارة الموقف الوطني العظيم عطفا على النتائج الصفرية للمفاوضات
(بثمارها تعرفونها)، وفي ضوء عودة فلول النظام المندحر مجددا وتشابكهم من جديد،
الأمر الذي يتطلب الاعتراف بالفشل في القيام بالمهمة ويقتضي العودة إلى منصة
الانطلاق لاعادة رسم مشروع التغيير من جديد واختيار قيادات جديدة لادارة الموقف
والتصدي لمطلوباته بالشكل الأفضل والأمل قبل فوات الاوان…