الأديب الأمريكي إرنست همنجواي في رائعته «الرجل العجوز والبحر» يصف كيف أن بطل روايته، العجوز «سانتياجو»، قد سلخ أربعة وثمانين يوماً من دون أن يفوز بسمكة واحدة. لكن عندما واتاه الحظ وحسن التدبير والصبر، اصطاد سمكة ضخمة تستحق كل ما بذله فيها من جهد ومعاناة في عرض البحر. كانت السمكة أضخم من زورقه، لذلك قام بسحبها إلى جانب الزورق في منتهى الحنكة. لكن أسماك القرش ظلت تنهش لحمها، حتى إذا ما وصل الشاطىء، كانت مجرد هيكل عظمي!
رغم ذلك فإن «سانتياجو» لم ينهزم.
في غمرة نضاله… اكتشف أن صفاء الذهن هو العامل الحاسم في نجاحه. «لقد عاوده النشاط… وصفا ذهنه… وأدرك أنه لن يغمى عليه بعد الآن».
ذلك حال الثوار السودانيين هذه الأيام. خلعوا الرئيس البائد… ولم يصلوا بعد إلى غاية غاياتهم وهي تفكيك النظام الفاسد بحيث لا يقوى على تقويض ما بنوه.
هؤلاء الثوار، وقد انتهت مرحلة الكر والفر في المظاهرات، يحتاجون أكثر ما يحتاجون إلى الصفاء الذهني. لأن المتربصين بالثورة كثر، ويملكون من الوسائل ما لا يحصى، ليس أقلها المال والإعلام وكتائب الظل والذباب الإلكتروني؛ وقبل كل ذلك غواصات الإنقاذ داخل المجلس العسكري وداخل دواوين الدولة.
فيا شباب.. لا بد من صفاء ذهني.. حتى تسقط!